عندما تتراكم المشاعر السلبية وتترسب في داخلنا وتزداد الحالة الإحباطية يوماً بعد يوم في أنفسنا تتحول -كيميائياً- إلى هاجس مقلق، وسلوك مزعج، وكابوس جاثم لا يكاد يفارق صاحبه، وبالتالي يصبح الفرد أسيراً للمشاعر السلبية وإرهاصاتها التشاؤمية التي لا تنتهي، لتشكل حاجزاً أمام انطلاقته بحثاً عن النجاحات في حياته الأسرية والاجتماعية والوظيفية فلا ينجز ولا يصافح أصابع النجاح والفلاح الذي يشعره بأهمية ذاته ووجوده في هذه الحياة، وهذ ما يعرف أو يسميه خبراء تطوير الذات (بعدم التصالح مع الذات)، خاصة مع ارتفاع هرمون المشاعر الإحباطية واتساع دائرة الهموم التشاؤمية مما قد يتسبب في إحياء صراع داخلي قمعي يهدد السلام الداخلي للصحة النفسية والعاطفية، على عكس (التصالح مع النفس) الذي يخلق بيئة صحية وحالة إيجابية عند العقلاء والأسوياء من البشر، ولذلك يعني التصالح مع الذات التعامل بتلقائية.. وعفوية.. وواقعية مع النفس دون تصنع أو تلون أو تكلف أو مباهاة والعيش بلغة تصالحية قوامها وأساسها الرضا والقناعة بما يكون عليه الشخص، ومن هنا نجد الإنسان المتصالح مع نفسه إنساناً مستقراً في صحته الاجتماعية، ومطمئن النفس، وقرير العين، ومرتاح البال، منشرح الصدر.. لا يعرف الازدواجية في المعايير السلوكية لأنه شخص عرف الله سبحانه وتعالى وراقبه في حركاته وسكناته.. ومراقبة الله أكبر عامل لبناء الذات. كلنا يحمل بداخله (قاضياً صغيراً) ولكنه ظالم في كثير من الأحيان.. قاضٍ متسرع في إطلاق بالون أحكامه.. قاضٍ لم تنصبه المحكمة ولم يصدر قراره من وزارة العدل ولم يدرس في كلية الشريعة أو كلية الحقوق والقانون..!! بل هو نتاج صراع الإنسان مع ذاته، وعراكه المستمر مع نفسه في حلبة اللامعيارية أو الازدواجية في المعايير السلوكية، ولذلك يرفض هذا القاضي أي صلح بين الفرد وبين نفسه..!! ولكي تتصالح مع الآخرين عليك أولاً.. وعاشراً أن تتصالح مع ذاتك وأن تتقبلها بكل مثالبها وضعفها وسقطاتها وهمومها وعثراتها دون أن تحكم عليها، ودون أن تصنفها فلا تحقرها ولا تهينها بل أطلق لها العنان وعش على مبدأ التحرر من قيود المشاعر السلبية من أجل تحقيق التصالح مع الذات وتقبل الآخر بكل اختلافاته وتناقضاته وميزاته لترتقي بك نحو الانسجام الروحي والاستقرار النفسي والتوازن العاطفي والرضا الذاتي. عندما سئل الرئيس الأميركي السابق الراحل (أبراهام لنكولن) عن سر نجاحه المتأخر بعد 45 عاماً من الفشل المستمر والعثرات التي لازمته طيلة العقود الأربعة الماضية في حياته قال (السبب تصالحي مع نفسي) حتى في أقسى لحظات الفشل ومرارته يجب أن نقبل أنفسنا مهما كانت النتيجة!! وهذا بالطبع لا يعني أن نضع رؤوسنا على وسادة الكسل ونرتهن في إحضان الإخفاق! لكن التصالح مع الذات فضاء صحي (أرحب) يؤدي إلى حالة الارتياح والانشراح، وبالتالي صنع النجاح لاحقاً.