لم تستطع مدن المملكة من النجاح في إعادة إحياء وإنعاش أواسط المدن، على الرغم من المحاولات والمشاريع المختلفة التي تبنتها جهات مختلفة وظلت بعضها إما بؤر سوداء بما تحويه من مناطق متدهورة عمرانياً أو مناطق مهجورة تؤي المخالفين. وبلاشك تمثل أواسط المدن قيمة وثروة متشعبة ومتعددة ذات عمق تاريخي وعمراني واقتصادي فقدت بريقها، ولم تجد حلولاً ناجعة لانتشالها من حالة النزوح والتقهقر والتدهور المكاني والوظيفي. حصلت اجتهادات للتحسين في بعض المدن إما عن طريق الجهات الحكومية أو القطاع الخاص لكن لم تتحق الهدف والأثر المنشود كونها تناولت الأمر بتطوير جزئي محدود، إذ ينبغي القيام بتطوير شامل يأخذ البعد التنموي والاقتصادي والبشري ويرتقي ببنية وبيئة أواسط المدن ويعيد إحياءها وينعش هويتها الثقافية ويعزز جذورها التاريخية. فغالب الممارسات التي تمت لتحسين أواسط المدن اتجهت لخيارات نزع الملكيات وتوسعة الطرق ومحاولة جذب السكان وهذه تتطلب توفير مبالغ هائلة لتنفيذ أعمال التطوير ولا تراعي سلوكيات السكان التي تتجه نحو التمدد والتغير المكاني المستمر والمدن ذات النطاق العمراني الممتد لاتساعد في نجاح إحياء وسط المدينة بسبب تعدد الضواحي السكنية فعلى سبيل المثال المدن الأمريكية لم تنجح في جذب السكان لأواسط المدن رغم المحاولات الحثيثة التي تقوم بها إدارات المدن الأمريكية عدى فئات محدودة من طلاب قطاع التعليم بسبب سهولة التنقل. بينما الممارسات الناجحة في المدن الأوروبية والأمريكية العريقة ذات الكثافة العالية تبنت حلول مختلفة تمامًا تعتمد على تحديد الوظيفة بحيث تشجع على استقطاب السواح وزوار المدن وليس السكن بالإضافة الى تعظيم الاستفادة من المكونات القائمة وغلق المناطق ذات القيمة العالية في أواسط المدن والإبقاء على طرازها التقليدي وإرثها التاريخي. إن مستقبل أواسط المدن يتوقف على إيجاد قرارات ذكية، للوصول إلى نموذج يعيد الحياة لأواسط المدن وفق خطط عمرانية تضمن تحقيق التوازن بين خطوات التحديث العمراني والمحافظة على أصالة وتاريخ المدن وبالتالي ترسيخ هويتها المعمارية، بالإضافة إلى إيجاد نموذج تمويلي مستدام يضمن إعادة الحراك الاجتماعي والاقتصادي إلى أواسط هذه المدن، من خلال استثمار ما تزخر به من عناصر عمرانية مميزة، وتوظيفها اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.