يستلزم اقتضاء الحق إجبار المدين على القيام بما التزم به، فإذا ما تقاعس المدين عن تنفيذ التزامه طوعًا واختيارًا، كان لصاحب الحق الالتجاء إلى القضاء للذود عن حقه والاعتراف له به، وسلطة إجبار المدين على تنفيذ ما التزم به. ومن هنا فإن مهمة القضاء لا تقتصر على إصدار سند تنفيذ قابل للتنفيذ فحسب، بل وتمكن الدائن من اقتضاء حقه من مدينه جبراً عنه. إذا كان هذا فلا يجوز أن يباشر الدائن التنفيذ الجبري سواء بطريق التنفيذ المباشر أو التنفيذ بطريق الحجز ونزع الملكية إلا إذا كان بيده سند تنفيذي يصلح لاقتضاء الالتزام جبراً عن المدين. ولقد نص المشرع على السندات التنفيذية على سبيل الحصر بحيث لا يجوز القياس عليها أو الإضافة إليها، وهذه السندات التنفيذية أوردتها المادة التاسعة من نظام التنفيذ الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/53) وتاريخ 13 /8 / 1433ه، هي الأحكام والأوامر والقرارات الصادرة من المحاكم. وأحكام المحكمين المذيلة بأمر التنفيذ وفقاً لنظام التنفيذ. ومحاضر الصلح التي تصدرها الجهات المخولة بذلك، أو التي تصدق عليها المحاكم. والأوراق التجارية (الكمبيالة والشيك وسند الأمر). والعقود والمحررات الموثقة. والأحكام والأوامر القضائية وأحكام المحكمين والمحررات الموثقة الصادرة في بلد أجنبي. والأوراق العادية التي يُقَرُّ باستحقاق محتواها كلياً أو جزئياً. والعقود والأوراق الأخرى التي لها قوة سند التنفيذ بموجب نظام. ويجب أن تتوافر شروط ثلاثة في الحق الموضوعي الذي يجري التنفيذ لاقتضائه، وهي أن يكون هذا الحق محقق الوجود، ومعين المقدار، وحال الأداء. وفي ذلك تنص الفقرة الأولى من المادة التاسعة من نظام التنفيذ على أنه لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي لحق محدد المقدار حال الأداء. وعليه وإذا ما تخلف شرط من هذه الشروط فإنه لا يجوز إجراء التنفيذ الجبري وإذا اتخذ رغم غياب شرط من هذه الشروط فإن هذا الإجراء يكون باطلاً. وينبغي أن تتوافر هذه الشروط عند البدء في التنفيذ، كما يجب أن تتوافر هذه الشروط في ذات السند التنفيذي. وتعتبر الأحكام من أهم السندات التنفيذية وأكثرها شيوعًا، فالأحكام لا تصدر إلا بعد خصومة تتحقق فيها الضمانات الكافية من مواجهة وعلم وممارسة لكافة حقوق الدفاع، فكان حريًا أن تتمتع الأحكام بثقة المتقاضين، وتكون في صدارة السندات التنفيذية. والحكم القضائي هو القرار الفاصل في الدعوى، والذي ينتهي به النزاع، وتغل به يد المحكمة عن نظر الدعوى مرة أخرى، وتستنفذ به ولاية المحكمة في الدعوى. ولا يكون الحكم قابلاً للتنفيذ الجبري إلا إذا توافر فيه شرطان: الأول: أن يكون من أحكام الإلزام، أي أن يقضي الحكم بإلزام المحكوم عليه بأداء معين، وبالتالي فإن الأحكام المقررة أو المنشئة لا تقبل التنفيذ الجبري. وتجدر ملاحظة أن الحكم الصادر من المحكمة قد يكون في شق منه حكماً تقريرياً، وفي الشق الآخر حكماً إلزامياً، كما إذا صدر حكم بصحة عقد البيع، وبإلزام البائع بتسليم المبيع إلى المشتري، فالحكم بصحة العقد هو حكم تقريري، والحكم في شقه الثاني بإلزام البائع بتسليم المبيع هو حكم إلزامي، وهو وحده الذي يكون قابلاً للتنفيذ. والشرط الثاني أن يكون الحكم نهائياً أو مشمولاً بالنفاذ المعجل. ونهائية الحكم تعني ألا يكون قابلاً للاعتراض عليه بالاستئناف إما لقناعة المحكوم عليه ورضائه بالحكم، أو لانتهاء مدة الاعتراض دون القيام به، أو لرفض الاستئناف وعدم قبوله موضوعًا. أما شمولية الحكم للنفاذ المعجل فيعني أن هناك ضرراً جسيماً قد يلحق بالمحكوم له إذا تأجل تنفيذ الحكم لحين حيازته لقوة الأمر المقضي، فقد يكون المحكوم له في حاجة ماسة للمبلغ المحكوم له به ولا يجديه إلا التنفيذ بموجب الحكم فور صدوره دون الانتظار لحين صيرورته نهائيًا، فلذلك سمح المشرع في هذه الحالة حماية لمصلحة المحكوم له أن يسمح بالتنفيذ المعجل للحكم طالما توافرت شروطه. فالتنفيذ المعجل إذاً هو صورة من صور الحماية الوقتية. * محامٍ ومستشار قانوني