المملكة لا تعرف الطعن في الظهر كما ورد في تصاريح البعض، بل هي دولة ممتدة في عمق الشيم العربية بكل تفاصيلها شعباً وحكومة، وهي الأم الرؤوم لكل القضايا العربية، فكيف يتجرّأ هؤلاء وتأخذهم شهوة الكلام فيما سمعناه وتأثرنا به على مدى ثلاثة أجزاء متتالية.. تربينا في صفوف المدارس ننشد نشيد الصباح، "فلسطيننا هللي وافرحي.. سنقضي على الطغمة الباغية.. فلن تستباحي ولن تستبى كرامة أبنائك الغالية".. الخ. من الذى ربانا على هذه العروبة المستفيضة، ومن زرع في ثنيات الوجدان هذا الصخب الوطني الفياض؟ من الذي أنشأنا على حب الوطن من الخليج إلى المحيط؟ ومن زرع في قلوبنا حبات رمله الغالية فتنتج سنابل قمح في كل وادٍ؟ أليست حكوماتنا الرشيدة العربية الوثابة في كل صوب وحدب، تنثر الحب والود والسلام في القلوب وفي المآق! فمن يقلِّب كتاباتنا ودواوين شُعرائنا وروايات المبدعات والمبدعين سيجد أنها كلها وبدون استثناء تزخر بالوطنية العربية قبل المحلية بشكل عام وبقضية فلسطين بشكل خاص. ومن يطالع التاريخ ويقلب في دفاتره القديمة منها والحديثة سيجد أن بلادي لها في كل وادٍ شهيد، ولها في كل ضائقة في العالم أجمع يد طولى لا يعلم الكثير منا ماذا تقدم وبسخاء يفوق طاقة أي بلد في الدنيا كلها؛ وليس كل ذلك سوى للإنسانية ورفعة الأوطان وحفظ وحدة الشعوب ورفاهية أفرادها، فلا تستأثر بخيرها لها بقدر ما تؤثر البعيد قبل القريب. ونحن لا نتحدث عن هذا من باب المنافحة والتفاخر - حاشا لله - ولكن من باب الإقرار والوفاء لحكامنا على مر التاريخ ولملوكنا المتتابعين الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وأبنائه من بعده، إمعانا في السير على خطاه ووفاء لوصاياه - رحمة الله عليه -. لم يكن ببالنا أننا في يوم من الأيام سنخط مثل هذه الكلمات، إلا أننا استمعنا للقاء سمو الأمير بندر بن سلطان رجل الدولة في السياسة والدبلوماسية ورجل يشهد له العالم بقدرته ودقته وشهامته، ومنهم بريطانيا والولايات الأميركية المتحدة التي أنقذتهما الرياض أكثر من مرة من بعض المخططات، وكما ورد على لسان رئيس الوزاء البريطاني (ديفيد كاميرون) حين سئل عن العلاقات البريطانية - السعودية آنذاك قال: "إن بلاده تلقت معلومات استخباراتية من الرياض ساهمت في إنقاذ مئات من البريطانيين في المملكة المتحدة". كذلك يتم تعامل المملكة بالإنسانية وبالسلام والحب والاحترام والقيم الموروثة عن أجدادنا وعن شيمنا العربية التي نتمسك بها أفراد وحكومات. إن هذا اللقاء لسمو الأمير بندر بن سلطان وبوحه بشيء مما لم نكن نعلمه أثار الحسرة وفي قلوبنا الرعشة وفي مقلنا الدمعة ولكن فوق ذلك أثار في رؤوسنا العزة والكرامة والشموخ لما تبذله بلادنا، فيما كيف يفكر حكامنا وكيف يشعرون وكيف يحبون وكيف يبذلون وكيف يغضبون أيضا؛ مما جعلنا النساء قبل الرجال - من أبناء هذا الوطن والذي كان خطابه موجها لهم بالدرجة الأولى - نستشف تلك النبرة المُحقة - بطبيعة الحال - فنشعر بالغصة، غصة النكران والتبجح ضد بلادنا التي بذلت ولا تزال تبذل الغالي والرخيص من أجل فلسطين والشعب الفلسطيني بشكل خاص. الرجل كان يتحدث بالوثائق التي لم يسبق الإفصاح عنها، وكيف أن المملكة على مدار تاريخها منذ أن تأسست على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز حتى خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه - وقضيتها الأولى هي فلسطين والقدس والشعب الفلسطيني، فلم تهادن أو تساير أو تقدم مصالحها في عالم لا يهتم سوى بالمصلحة، فالسياسة قائمة على المصالح مما لا يخفى على أحد، إلا أنها وقفت كما ظهر لنا في دقائق تفاصيل اللقاء كيف قدمت مصلحة فلسطين على كل المستويات على مصالحها السياسية والاقتصادية سيرا في خط مستقيم وبدون التواء أن القضية الفلسطينية هي أولاً وقبل كل شيء. والغريب في هذا اللقاء الكاشف أن القادة الفلسطينيين هم من يضعون العصا في العجلة كلما تبدى حلا أخفقوه، وكأن كلمات سمو الأمير الشاعر خالد الفيصل على لسان بندر في حديثه حين قال: "كلما قلت هانت جد علم جديد" جاءت تختصر كل المشوار الطويل الذي حملته المملكة وكل الدول العربية.. والأمير بندر أيضا طيلة مشواره في السلك الدبلوماسي وفي السياسي حتى ضاق الصدر بما حمل ففضل البوح لشعب أحبه ووثق فيه ويثق فيه أيضا قبل أن يبوح وبعده. وكأننا نكمل معه القصيدة الشاهدة على هذا اللقاء والتي يقول فيها سمو الأمير خالد الفيصل: يا زمان العجايب وش بعد ما ظهر كل ما قلت هانت جد علمٍ جديد إن حكينا ندمنا وإن سكتنا قهر بين قلبٍ عطيب وبين راس عنيد لو تفيد المدامع كان أسيّل نهر مير كثر التوجد والدمع ما يفيد.. حين وجه لنا سموه حديثه؛ النساء قبل رجاله وبكل شفافية وصدق نقول له: نحن نعرفكم وتربينا بين أيديكم ونعرف حكامنا أبا عن جد ونثق فيكم قبل البوح وقبل الإفصاح. المملكة لا تعرف الطعن في الظهر كما ورد في تصاريح البعض، بل هي دولة ممتدة في عمق الشيم العربية بكل تفاصيلها شعبا وحكومة، وهي الأم الرؤوم لكل القضايا العربية، فكيف يتجرأ هؤلاء وتأخذهم شهوة الكلام فيما سمعناه وتأثرنا به على مدى ثلاثة أجزاء متتالية على إحدى القنوات، ولم يَخَل لنا أن الأمر سيصل على هذا المنوال بين دم عربي وقضية هي في الصدارة لنا ولكل العرب على مدى التاريخ الحديث ولكننا نستلهم أبياتا من قصيدة فلسطين لإيليا أبو ماضي حين قال فيها: ويا عجبا لكم توغرون على العرب "التامز والهدسنا" وترمونهم بقبيح الكلام وكانوا أحقّ بضافي الثنا!.