في مشهد غاب عنه رئيسا الجمهورية والحكومة ظهر رئيس المجلس النيابي نبيه بري، معلناً عن قرب ترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل برعاية أممية ووساطة أميركية، فيما كذبته إسرائيل والولايات المتحدة، وأشارتا إلى ترسيم الحدود البحرية فقط. ما يعني هذا أن اعتراف الحليف الشيعي بمباركة إيرانية بإسرائيل أصبح واقعاً، وبالتالي لن تحظَى إيران وأتباعها بعد اليوم بشرف تدمير هذا الكيان الغاصب بسبع دقائق! كما أن حزب الله قد خسر أقوى مبرر لبقاء سلاحه الذي طالما ربطه بتحرير مزارع شبعا التي امتنع بشار الأسد عن تثبيت لبنانيتها، وفضّل التنازل عنها لحليفه الإسرائيلي الذي عارض سقوطه منذ اندلاع الانتفاضة السورية. في حقيقة الأمر أن موافقة بري وحليفه نصر الله على الترسيم دون الرجوع للدولة اللبنانية مجرد بطاقة حُسن نية قدمها الولي الفقيه لإسرائيل والولايات المتحدة، لا علاقة للشعب اللبناني بها، كما لا يمكن للرضيع اللبناني أن يتخذ أي قرار دون إيعازات المرضعة إيران. ولا شك أن هذه الموافقة جاءت بإيعاز من إيران لامتصاص غضب الشارع اللبناني، بسبب عرقلة الثنائي الشيعي تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلة، موهمين اللبنانيين أن ترسيم الحدود البحرية هو إنجاز عظيم، وبالتالي ضخ مليارات الدولارات في البلد المنهوب والمغلوب على أمره، ووقف عجلة ذهابه إلى جهنم كما جاء على لسان رئيس الجمهورية، رامين خلف الحائط شعارات الممانعة النارية التي تؤكد قُرب زوال إسرائيل، وتحرير فلسطين انطلاقاً من تدمير بغداد ودمشق وحلب وصنعاء. ولنا أن نتخيّل حجم الاتهام بالعمالة لإسرائيل لو صدر إعلان الثنائي الشيعي عن مكوّن لبناني آخر، ولوجدنا ردات فعل أبواق الممانعة والمقاومة بتوجيه تهم الخيانة وكيل السباب لمن تجرّأ على هذه الجريمة النكراء. لكن المفهوم الإيراني يرى ما لا نراه، ما كان عدواً في الأمس تمّ قبوله الآن شريكاً، وربما حليفاً مستقبلياً، لأن أولويتها استمرار إحكام قبضتها المطلقة على الدولة اللبنانية، والعبث في مقدراته. لذلك على هذا الحليف الثنائي مع انهيار كل الشعارات والخطابات والفتاوى التي تمّت صياغتها على عشرات السنين، أن يقنعا أهالي القتلى الذين سقطوا في حروبهما الطائفية العبثية التي دمّرت حواضر وعواصم عربية وشردت أهلها بصحة نهجهم، أم أن تقاسم كعكة النفط والغاز اللبناني مع إسرائيل أهم من دماء أبنائهم، ولو جاء ذلك على حساب حقوق لبنان ومدخرات شعبه.