أنشيلوتي يبدي إعجابه بالجماهير.. ومدرب مايوركا يعترف: واجهنا فريقًا كبيرًا    إنتر ميامي يُحدد موقفه من ضم نيمار        جوزيف عون يرسم خارطة سياسية جديدة للبنان    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب (160) كيلوجرامًا من نبات القات    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    ارتفاع أسعار النفط بدعم من زيادة الطلب على الوقود    الكرملين: بوتين جاهز للتحاور مع ترمب بدون شروط مسبقة    فن الكسل محاربة التقاليع وتذوق سائر الفنون    «عباقرة التوحد»..    أنشيلوتي معجب ب «جماهير الجوهرة» ويستعد لمواجهة برشلونة    أدباء ومثقفون يطالبون بعودة الأندية الأدبية    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    الخروج مع الأصدقاء الطريق نحو عمر أطول وصحة أفضل    عام مليء بالإنجازات الرياضية والاستضافات التاريخية    الحمار في السياسة والرياضة؟!    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    ماذا بعد دورة الخليج؟    وزارة الثقافة تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    أسرار الجهاز الهضمي    «متطوعون» لحماية أحياء دمشق من السرقة    «سلمان للإغاثة» يوزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    الضمان الاجتماعي.. 64 عاماً من التكافل    كيف تكسبين زوجك؟!    «الأوروبي» في 2025.. أمام تحديات وتوترات    سبب قيام مرتد عن الإسلام بعملية إرهابية    سالم ما سِلم    الرياض تستضيف الاجتماع الوزاري الدولي الرابع للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    العقل والتاريخ في الفكر العربي المعاصر    الألعاب الشعبية.. تراث بنكهة الألفة والترفيه    المقدس البشري    جودة القرارات.. سر نجاح المنظمات!    لا تحرره عقداً فيؤذيك    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    نجاح المرأة في قطاع خدمة العملاء يدفع الشركات لتوسيع أقسامها النسائية    مريم بن لادن تحقق انجازاً تاريخيا وتعبر سباحة من الخبر الى البحرين    إنجازات المملكة 2024م    أفضل الوجبات الصحية في 2025    ثنائية رونالدو وماني تقود النصر للفوز على الأخدود    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    «الجوازات»: اشتراط 30 يوماً كحد أدنى في صلاحية هوية مقيم لإصدار تأشيرة الخروج النهائي    المرور السعودي: استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في جازان    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    من أنا ؟ سؤال مجرد    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    برشلونة يتأهّل لنهائي كأس السوبر الإسباني على حساب أتليتيك بلباو    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    «الثقافة» تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في نماذج العراق وليبيا وفلسطين دروس لحكام في المنطقة
نشر في الحياة يوم 19 - 02 - 2010

آية الله روح الله الخميني تجرع "كوب السم"، حسب تعبيره، عندما اضطر للخضوع أمام مجلس الأمن الدولي وقراره الداعي الى وقف النار مع العراق، فكان عملياً وواقعياً يضع مصلحة إيران في صدارة أولوياته عندما أعلن قبوله ذلك القرار.
العقيد معمر القذافي أصغى الى الذين أقنعوه بأن اخراج ليبيا من العقوبات لن يحدث عبر البهلوانية المرتبطة بأسلوبه وإنما عبر سياسة رزينة وحكيمة. وافق على دفع الثمن الغالي للأخطاء الفادحة التي ارتكبها في استخدام الإرهاب أداة في السياسة، ففرّغ الجيوب الليبية من المعلومات الاستخبارية للبريطانيين والأميركيين، وعوّض العائلات عن النكبات، وتخلى عن الطموحات بامتلاك الأسلحة المحظورة.
الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين كابر وظن أنه فوق المحاسبة، فرفض التنفيذ الصادق لقرارات مجلس الأمن، وتظاهر بامتلاك أسلحة لم يعد يمتلكها، ثم لاقى مصيره باسقاطه وجبروته من السلطة، وبتدمير للعراق حاول مقايضة البلاد من أجل بقاء النظام. وها هو يعاقب على ظلمه وقمعه بما في ذلك العقاب النفسي الناتج عن تسبببه بقتل نجليه.
في هذه النماذج دروس لحكام في المنطقة"يتحلون"حالياً بالمكابرة والاستقواء على القرارات الدولية، وكذلك قادة منظمات مثل"حزب الله"في لبنان أو مثل"حماس"التي انتخبت الى السلطة الفلسطينية لكنها ما زالت تتصرف كحركة.
إسرائيل تحدّت القرارات الدولية من دن أن تُعاقب، بل إنها كثيراً ما تُكافأ على عدم تنفيذ الاتفاقات والقوانين الدولية، بما فيها أحكام حقوق الإنسان والقانون الإنساني. هذا الوضع الشاذ يجعل بعض الحكام العرب يعتقد بأن حمله راية وشاهداً على الازدواجية والنفاق الدوليين سيعفيه من استحقاقات قيامه هو بالتحدي.
في الأمر ازدواجية ونفاق، لا شك في ذلك على الاطلاق، فإسرائيل لا تُحاسَب على انتهاكاتها للأعراف والقوانين الدولية، وهي معفاة من التدقيق في امتلاكها أسلحة نووية محظورة، وليس هناك من يجرؤ في الغرب على الاشارة الى بعض اجراءاتها وأفعالها بتسمية الإرهاب مهما كان إرهاباً واضحاً. إنها الدولة الخارجة عن الطبيعة الحضارية التي تزعمها الدول الداعمة لها، إذ أن إسرائيل، حسب تكوينها اليوم، عنصرية وغير ديموقراطية طالما انها لا تنهي احتلالها ولا ترضى بأن تكون دولة واحدة للإسرائيليين والفلسطينيين معاً حيث لكل فرد واحد صوت واحد.
النماذج المختلفة التي مرت بها إيران والعراق وليبيا والسودان لم تكن ذات علاقة بإسرائيل بمقدار ما كانت ذات علاقة بخلافات ثنائية وداخلية وبطموحات سلطوية. فصدام حسين، مثلاً، بدأ حربه ضد إيران من أجل الزعامة، ثم قام بغزو الكويت من أجل توسيع رقعة نفوذه وتعزيز أواصر الزعامة. الحرب التي دخلت فيها الدول الخليجية العربية ومصر وسورية شريكاً للولايات المتحدة ضد صدام بعد غزوه الكويت، جاءت جزئياً لنسف العراق من المعادلة الاستراتيجية العسكرية بين العرب وإسرائيل. إذن، فالعنصر الإسرائيلي موجود وغائب، حسبما ترتأيه القيادات العربية وعندما يكون ملائماً لتخدير الشعوب النائمة أو للإيقاظها. وهذا ما يُعرف ب"المتاجرة"العربية بالقضية الفلسطينية.
هذه المتاجرة بالقضية الفلسطينية مع المزايدة على القيادة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني محمود عباس هي اليوم إيرانية بمقدار ما هي سورية. الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد نصّب نفسه قائداً للمشاعر الشعبية العربية والإسلامية نحو فلسطين بمجرد تبنيه لغة الغوغائية ضد إسرائيل والولايات المتحدة. يفعل ذلك وهو يترك الباب مفتوحاً لصفقات مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل لو وافقتا معه على امتلاك إيران قدرات الطاقة النووية العسكرية وعلى طموحاته بزعامة إسلامية وهيمنة اقليمية إسرائيلية - إيرانية. محمود أحمدي نجاد يراهن في دوي غوغائيته الصاخبة على السذاجة الشعبوية العربية وعلى تنظيمات وفصائل ومنظمات فلسطينية ولبنانية، وعلى النظام في سورية.
القاسم المشترك بين هؤلاء اللاعبين في هذا المنعطف هو تدمير الرئيس محمود عباس وتصفية الخيار التفاوضي. فالفكرة الأساسية تكمن في تفتيت القرار الفلسطيني ليكون في الإمكان توظيف الفصائل الفلسطينية التابعة لدمشق ولطهران من أجل خدمة سورية وإيران ومصالحهما الانتقالية والدائمة.
لذلك، عندما يُقال إن الأسرة الدولية تجوّع الفلسطينيين عقاباً لهم على ممارستهم خيارهم الديموقراطي بانتخاب"حماس"، يجب أن يقال أيضاً إن إيران وسورية وفصائل فلسطينية، بينها"حماس"، تجعل من تجويع الشعب الفلسطيني سلاحاً في معاركها الايديولوجية وصراعاتها السلطوية والزعايمة.
التدخل السوري في القرار الفلسطيني ليس جديداً، بل إن سورية وحدها بين الدول العربية لا تعترف بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد لشعب الفلسطيني. وما حدث في الأيام القليلة الماضية من اشتباكات بين فلسطينيي سورية وبين اللبنانيين يتزامن مع حملة دمشق ضد التمثيل الفلسطيني الرسمي لدى لبنان. والسبب عائد الى رفض النظام السوري السماح باستقلالية العلاقة الفلسطينية - اللبنانية إذ أنه يريد ارتهانها كما سبق وارتهن المسارين من المفاوضات. إضافة، أن توحيد القرارالفلسطيني يعني سحب أدوات التدخل فيه من ايدي النظام السوري عبر الفصائل الفلسطينية المعارضة.
فليأخذ الشعب الفلسطيني علماً بذلك، وليتصرف. ليتصرف من أجل قضاياه وكذلك من أجل لبنان الذي عاونه كثيراً. وليأخذ الشعب اللبناني أيضاً علماً بما سيترتب عليه الفرز السوري لمسألة التمثيل الفلسطيني الرسمي في لبنان من احتياجات للقفز على"حساسيات"تبرز تلقائياً تحت شعار توطين الفلسطينيين في لبنان. فالمعركة الآتية حول التمثيل الفلسطيني الرسمي ستكون حرباً سورية يشنها النظام في دمشق كي يمتلك وحده مع حلفائه صلاحية التحدث باسم الفلسطينيين نكاية برئيسهم واحباطاً لخياراته. وهذه المعركة بحد ذاتها شهادة حية على رفض النظام السوري الاعتراف باستقلال لبنان وباستقلال القرار الفلسطيني. الفصائل الفلسطينية التي كرست نفسها لتقوم بخدمات للنظام السوري تسيء ليس فقط الى لبنان، وإنما أيضاً الى شعبها وتتاجر بمآسيه تحت الاحتلال الإسرائيلي، لأن هذه الفصائل ليست في وارد التحرير، وإنما هي في وارد التخريب لغايات وأهداف لا علاقة لها بالوطنية.
أما المنظمات والأطراف والميليشيات اللبنانية التي تتحالف مع الأجندة السورية في لبنان وتخدم الطموحات الإيرانية الاقليمية على حسابه، فإنها إنما تدخل طرفاً في حرب على مستقبل هذا البلد."حزب الله"مهم وطنياً بمقدار التزامه الصادق باجماع الحوار الوطني اللبناني على ضرورة تحديد الحدود اللبنانية - السورية بما يشمل مزارع شبعا وإقامة العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين البلدين، وتجريد الميليشيات الفلسطينية من الأسلحة خارج المخيمات في غضون 6 أشهر.
شباب لبنان، بمن فيهم شباب"حزب الله"، يستحقون بلداً موحداً. يستحقون حياة طبيعية في بلد طبيعي لا تستخدمه دول مجاورة ولا يستضيف سلاح غير سلاح الدولة والجيش. أن يقال ان سلاح"حزب الله"سلاح مستقل عن الدولة، يقدم على طاولة التفاوض الوطني كشريك مع الدولة، فهذا كلام يستفز الشكوك والتشكيك بصدق غايات أهداف"حزب الله"الوطنية. فلا مجال للتصديق بأن يكون"حزب الله"شبه دولة مستقلة لها سلاحها الذي يأتي من الخارج بتمويل من الخارج يتمتع بإمرة الدولة بموازاة الدولة اللبنانية. لا منطق مقنع في هذا على الاطلاق. ثم انه لا يجوز ل"حزب الله"ان يقول ان المقاومة كانت حصراً مقاومة الشيعة كجزء من استراتيجية الابتداء بانشاء كانتون شيعي في جنوب لبنان خارج عن الدولة اللبنانية. ففي هذا تقسيم للبلد، وإجهاض بحق شيعة لبنان اولاً. أما اذا كان"حزب الله"يتصرف بصلاحية من شيعة لبنان، عليه وعلى حركة"أمل"ابلاغ الشيعة أنفسهم وجميع اللبنانيين بذلك. والرهان هو على رفض شيعة لبنان ان يتحولوا الى كانتون في الجنوب يخرج عن الدولة ذلك ان الشباب الشيعة في لبنان، شأنهم شأن أي شباب، يريد الحياة الطبيعية في دولة طبيعية في نهاية المطاف.
لا داعي للاستنفار ضد مجرد تحديد الحدود وليس ترسيمها حالياً، لأن هذا أمر غير طبيعي يستدعي التوقف عنده من جانب السوريين كما من جهة اللبنانيين خصوصاً اولئك الذين"يتعاطفون"مع استنفار دمشق بذريعة رفض التدخل الدولي. حسناً، اذن، لتوافق دمشق حالا على تحديد وليس ترسيم الحدود ولتقم فوراً علاقات ديبلوماسية كاملة اعترافاً حقيقياً باستقلال لبنان. لكن الديبلوماسية السورية تقول، بدلاً عن ذلك، انها تريد ترسيم الحدود"بدءاً من الشمال"في موقف تعجيزي هدفه المماطلة واستبعاد مزارع شبعا عن تحديد أو ترسيم الحدود. هذه حجة مختلقة، غاياتها سيئة. وهذا ما أدركه قادة فكر سوريين حريصين على أهمية تصحيح وتطبيع العلاقة السورية - اللبنانية لكنهم وجهوا بحملة اعتقالات.
تلك اجراءات تذكر بنموذج معين يعود الى الذهن قوامه أن الزعيم يمكن ان يقايض البلاد من أجل النظام والعائلة. فمع التظاهر بالاستقواء والانتصار والمكابرة، ليته يستدرك ليضع البلاد فوق كل اعتبار مقتدياً بما فعل قبله آية الله الخميني ولا ينساق الى ما يقوده اليه الرئيس الثوري أحمدي نجاد. فالمكابرة مغامرة. وهي رهان خاسر حتماً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.