هذه التجربة لو استمرت بوتيرة متزايدة مستقبلاً فقد تؤدي إلى انعزال الطالب اجتماعياً بسبب عدم خوضه تجارب حقيقية في التعامل مع الآخرين، ومعالجة مشكلاته الاجتماعية والنفسية في الحياة الحقيقية، وهو ما يحتاجه الطالب في مسيرة حياته العملية المستقبلية لاحقاً.. لم تكن تجربة التعليم عن بعد التي تم تطبيقها منتصف الفصل الدراسي الماضي وبداية العام الدراسي الحالي إلا لضرورة فرضتها الظروف الاستثنائية لجائحة كورونا، حفاظاً على صحة الطلاب والطالبات والهيئتين التعليمية والإدارية بعد توقف الدراسة، إلا أن التجربة في مراحلها الأولى شابها بعض العقبات التقنية التي أدت إلى قيام وزارة التعليم باتخاذ قرار ترحيل جميع الطلاب والطالبات بناء على نتائجهم في الفصل الدراسي الأول إلى المراحل التالية. والآن وبعد أن قررت وزارة التعليم استمرار التعليم عن بعد لمدة سبعة أسابيع في الفصل الدراسي الأول الحالي 1442 على أن تخضع للتقويم بعد هذه الفترة، وبما أن هذه التجربة الثانية مضى عليها الآن خمسة أسابيع، فيتبادر إلى الذهن تساؤل عن النتائج الإيجابية والسلبية على المسار التعليمي بصفة عامة طلاباً ومعلمين خاصة أن الأسبوع الأول من هذه التجربة الثانية وتطبيق (مدرستي) لم يكن بالصورة المطلوبة. وقبل الحديث عن الإيجابيات والسلبيات، يبرز تساؤل آخر يتعلق بنوع السيناريوهات التي أعدتها وزارة التعليم قبل اتخاذ قرار الاستمرار في تجربة التعليم عن بعد، خاصة أن الأسبوعين الأولين مضيا دون استفادة فعلية حقيقية من منصة (مدرستي)، فهل هذا يعني أن وزارة التعليم لم تكن مستعدة أصلاً للاستمرار في التجربة، أم أنها تتوقع أن تعود الدراسة بشكل مباشر؟ طبعاً لا يمكن إنكار أن قوة البنية التقنية التحتية في المملكة ساعدت كثيراً على تنفيذ هذه التجربة بمعوقات بسيطة جداً، كما أنها أعطت وزارة التعليم فرصة لمعالجة بعض جوانب القصور في بنية التعليم الإلكتروني، كما أن من الإيجابيات الأخرى أن المعلمين والمعلمات اضطروا للتعامل مع هذه التجربة مما جعلهم أكثر استعداداً وتقبلاً لاستخدام تقنيات التعليم الإلكتروني في تجربتهم التعليمية المستقبلية، يضاف إلى ذلك أيضاً أن الطلاب والطالبات تأقلموا بشكل أفضل مع هذه التجربة، فأصبحوا قادرين على التعامل مع الشروحات والواجبات المدرسية بطريقة مختلفة مما يؤكد أن هذه التجربة يمكن أن تستمر لاحقاً بأفكار ووسائل جديدة لتكون داعماً قوياً للتعليم التقليدي وليس بديلاً عنه. ومع هذه الجوانب الإيجابية للتجربة لابد من التأكيد على أهمية المدرسة والمبنى المدرسي، وضرورة التفاعل المباشر بين الطالب والمعلم، وبين الطالب وزملائه في الفصل وفي فناء المدرسة، وهذا ما تفتقده تجربة التعليم عن بعد، فعملية الانضباط المدرسي، ومتابعة فهم الطلاب للشروحات، وعدم وجود البيئة الدراسية التفاعلية المساعدة في الرفع من استجابة الطالب، واقتصار المادة التعليمية في معظم الأحيان على الجزء النظري من المادة العملية دون وجود تطبيقات معملية خاصة في المواد العلمية، يضاف إلى ذلك أن الطالب يبذل جهداً مضاعفاً لاستيعاب المادة العلمية مما يضطره إلى البقاء فترة أطول من المعتاد على جهاز الحاسب الآلي أو أي أجهزة حاسب أخرى، ومعلوم التأثيرات الصحية والنفسية السلبية على الطالب والأسرة لقاء ذلك، كما أن الطالب يفتقد في تجربة التعليم عن بعد إلى التقويم التربوي في تنشئته، وتصحيح سلوكياته التفاعلية مع الطلاب الآخرين والهيئة التعليمية. وأخيراً التأكد أصلاً من وجود الطالب في منصة التعليم الإلكتروني. جميع هذه السلبيات تعد من العوائق التي تجعل عملية تقويم أداء الطالب صعبة للغاية، وتشير إلى أن هذه التجربة لو استمرت بوتيرة متزايدة مستقبلاً فقد تؤدي إلى انعزال الطالب اجتماعياً بسبب عدم خوضه تجارب حقيقية في التعامل مع الآخرين، ومعالجة مشكلاته الاجتماعية والنفسية في الحياة الحقيقية، وهو ما يحتاجه الطالب في مسيرة حياته العملية المستقبلية لاحقاً. الجانب الآخر هو أننا ننسى أن هذه التجربة جاءت للضرورة، فأتمنى من المسؤولين في وزارة التعليم أن لا يركزوا على أنها ستكون بديلاً عن التعليم التقليدي، بل العكس يفترض التأكيد على أنها ستكون داعماً للتعليم التقليدي ومسانداً له سعياً إلى تطوير العملية التعليمية، وتحسين مخرجاتها، فمهما تحدثنا عن التعليم الإلكتروني أو التعليم عن بعد ومميزاته الكثيرة فلن يكون بديلاً مناسباً عن التعليم التقليدي. وفي تجربة التعليم عن بعد، أتمنى من وزارة التعليم أن تدعم تجارب المدارس الأهلية التي قررت الاستعانة بمنصات مختلفة عن منصة (مدرستي) حيث إن من الملاحظ أن الشكوى من منصات المدارس الأهلية والعالمية أقل بمراحل من الشكوى من منصة (مدرستي) الحكومية، كما أن وزارة التعليم مطالبة أيضاً بتقديم نوع من الدعم المعنوي والمادي للمدارس الأهلية والعالمية وخاصة الصغيرة منها والتي لا يتوفر لديها سوى ترخيص رياض أطفال، فقد تضررت كثيراً بتجربة التعليم عن بعد حتى إن عدداً منها قرر التوقف المؤقت، والبعض الآخر تخلص من الترخيص، ووزارة التعليم لديها إحصائيات دقيقة عن هذه المدارس المتعثرة، والقيادة أكدت في تصريحاتها مراراً وتكراراً بأنها ستدعم القطاعات المتعثرة، ولاشك أن المدارس الأهلية الصغيرة تأثرت كثيراً وهي بحاجة إلى التفاتة حقيقية لتواصل نشاطها في دعم القطاع التعليمي.