طلاب اليوم جيل الغد، ومن أهم عناصر التربية والتعليم إذا أُحسن استثمارهم، لإعداد جيل مثقف وواع ومدرك، لما يدور حوله من تحديات، وهذا لن يتم إلا من خلال مواكبة المتغيرات الحياتية، وتطوير العملية التعليمية وفقاً لهذه المتغيرات، لتواكب مجريات العصر. ويرى المختصون أن اليوم الدراسي المعمول به في مدارسنا، يعتبر من عوائق التطور، لأن وقته قصير جداً، ولا يلبي حاجة الطلبة من إدراك ما يحتاجونه من معارف ومهارات تعد مكملة للمناهج الدراسية، ولن يتحقق هذا إلا بتطبيق "اليوم الدراسي الكامل"، الذي يمتد من الصباح الباكر وحتى فترة العصر، كما هو مطبق في بعض المدارس الأهلية، ويرى آخرون أنه من الصعب تطبيقه في مدارسنا وهي غير مهيأة أو مؤهلة، والسؤال هل مدارسنا جاذبة، بمعنى هل يوجد بها برامج هادفة تلبي احتياجات المتعلم، لكي نطالب بتطبيق اليوم الدراسي الكامل؟ فكرة فاشلة! يقول "د.عبد الله العويرضي" تربوي: في الوقت الراهن لا مجال لتطبيق الدوام الكامل، لأن مدارسنا غير مجهزة لاستقبال الطلاب، فالفصول الدراسية بوضعها الراهن غير صالحة، خصوصاً إذا ما عرفنا أن بعض الفصول الصغيرة، يزيد عدد طلابها عن 45 طالباً في الفصل الواحد، بالإضافة إلى عدم وجود أفنية وصالات في المدارس المستأجرة، مضيفاً لو كان الحال غير ذلك، فأنا من أول المؤيدين لتطبيقه، لأن تطبيق برنامج اليوم الكامل يكفل للطلاب والطالبات المزيد من التحصيل المعرفي، واستذكار دروسهم وحل واجباتهم في محيط بيئتهم المدرسية، إلى جانب تلقي العلوم والمهارات اللاصفية، ثم العودة إلى منازلهم لممارسة الأدوار الأسرية والاجتماعية والتنموية اللازمة. المبنى والمعلم ويؤكد"د.العويرضي" أن نجاح الدول التي قامت بتطبيق اليوم الدراسي الكامل، جاء لأن مدارسها مجهزة، وهي تهتم بالطالب بشكل كبير، ويتم في مدارسهم ممارسة الألعاب البدنية والإلكترونية، مع حرصهم على اكتشاف مواهب الطلاب العقلية، لتنميتها بالشكل الصحيح، من خلال ممارستهم للمهارات بعد انتهاء اليوم الدراسي للمناهج، والتي عادةً تبدأ من بعد الظهر وحتى بعد فترة العصر، مضيفاً لن يسع مؤسساتنا التربوية تحقيق ذلك وبالمستوى الذي تنشده، إلا إذا تم الإعداد الجيد للبيئة المدرسية وأهمها المبنى والمعلم. مطلب تربوي وتقول "د.فوزية أخضر" مدير عام التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم سابقاً: إن فكرة تطبيق اليوم الدراسي الكامل بمدارس البنين والبنات هو مطلب تربوي مهم جداً، ولا يمكن تطوير التعليم ما لم نطور النظام التعليمي كاملاً، والذي من أهم أهدافه هو تطبيق اليوم الدراسي الكامل، بحيث يعود التلميذ للمنزل مرتاحاً وغير محمل ومثقل بالأعباء والواجبات المنزلية، التي تفرض على الأسرة وجود المدرس الخصوصي، أوحل الواجبات من قبلها، فقد تغير كل شيء في حياتنا، عدا النظام التعليمي، لذا فالمسؤولية التربوية تجاه الأجيال، تحتم علينا أن نفكر في تطوير نظامنا التعليمي بفلسفته وأهدافه بوضع عدة تساؤلات:هل يحتاج الطالب أن يتلقى ما يتلقاه الآن وهذا الكم الهائل من المعلومات والمعارف النظرية في العملية التعليمية؟، وهل الفترة الزمنية والساعات المقررة لليوم الدراسي، كافية لتعليم التلاميذ ومساعدتهم في حل الواجبات عن طريق التطبيق العملي؟، ألا يمكن النظر في إطالة هذه الفترة لتخريج إنسان متعلم ومستوعب لما يتعلمه، وليس حفظ معلومات ومعارف يصبها في ورقة الاختبار دون الاستفادة منها؟، وهل العملية التربوية هي عملية التثقيف، أم إكساب المهنة، أم التخصص، أم تكوين الشخصية الإنسانية، أم جميع هذه الأشياء أم بعضها؟، مضيفةً من هنا سنتدارك النقص الموجود من غياب الإعداد للمهن، وهناك تجارب شبيهة بهذه الفكرة، ومطبقة لدى بعض الدول مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية واليابان وسنغافورة والسويد وبريطانيا. د. محمد الخطيب تجربة بريطانيا وأوضحت "د.فوزية أخضر" أنها عندما كانت تدرس في بريطانيا، كانت من ضمن متطلبات الجامعة، التدريس العملي في بعض المدارس التي تطبق دمج ذوي الإعاقة في مدارس التعليم العام لمدة عام، وقد طبقت ذلك عملياً، وكان الدوام المدرسي من التاسعة صباحاً إلى الخامسة عصراً، يعود بعدها التلميذ إلى المنزل منهياً جميع الواجبات، بعد أن يكون قد حصل على معلومة وافية مدعمة بالتطبيق العملي، ويكون قد انتهى من الواجبات المنزلية، ليعود فقط للجلوس مع العائلة، والاستمتاع ببقية وقته الخاص وممارسة هواياته، علماً أن الفترة التي قضاها في المدرسة، هي فترة جاذبة وليس طاردة كما هي مدارسنا الحالية. تسرب الطلاب وأكدت "د.فوزية أخضر" أنه لو أردنا معرفة ما هي مظاهر أزمتنا التربوية الحالية، لوجدنا بأنها بسبب قصر اليوم الدراسي بصفة عامة، وعدم الاستفادة التامة من الساعات الدراسية بطرق صحيحة، إلى جانب عدم الاستفادة من حصص الأنشطة اللاصفية كما وضعت له، مما سبب لدينا الانفصال التام بين التعليم وسوق العمل، والعزوف والتسرب من الدراسة، بالإضافة إلى جهل المتعلمين بالنمو المهني والفني والأكاديمي، وعدم الاهتمام بالبحث العلمي والدراسات، وتدني مخرجات التعليم وضعفها الشديد، وتقسيم النظام التعليمي إلى تخصصات تجعل المجتمع يقدس بعضها ويحقر البعض الآخر، مضيفةً كذلك النظرة الدونية القاصرة نحو المهن والحرف، مما أوجد البطالة السافرة والمقنعة، وضخامة الفاقد التعليمي، بسبب التسرب من التعليم، لعدم تلبية الاحتياجات التربوية من خلال المدرسة. وعن رؤيتها المستقبلية لأهداف مدرسة المستقبل، أوضحت "د.فوزية أخضر" أنها هي التي تطبق نظام اليوم الكامل، مع تطوير وتحديث النظام التعليمي الحالي، وكذلك المناهج، بحيث تكون محفزة للتعلم، مع تكثيف جولات التقويم والمحاسبية والإشرافية، أو استيطان الإشراف داخل المدارس، وتطوير النشاط اللاصفي وزيادة فترته، لتحقيق أهدافه التي وضع من أجلها، يسبق ذلك كله إعداد المعلم لمدارس المستقبل المتطورة. خصخصة التعليم وطالبت وزارة التربية والتعليم ب"خصخصة التعليم"، فهي ظاهرة صحية في ظل التدهور والانحدار الكبير في التعليم الحكومي، لأنه من خلال الخصخصة سيتم تقديم خدمات مميزة، ومخرجات صالحة لسوق العمل، إلى جانب توفير ظروف وبيئة أفضل لطلابنا، وليس لغرض مادي بقدر ما هو معنوي، وهناك مدارس منتجة لو طبق اليوم الكامل فيها لجمعت بين الربح المادي والتعليم النوعي. تجربة الفيصل ويؤكد "د.محمد الخطيب" المدير العام لمدارس الفيصل، إن مدارسهم تنفرد بتقديم ما يسمى ببرنامج اليوم الكامل، وهذا الأمر كان منذ إنشائها عام 1411/1412ه، وقد تميز البرنامج في ذلك الوقت بعدد من المزايا التي قد ينظر لها بعض الناس على أنها مصائب، مضيفاً واجهنا في بداية تطبيق هذا البرنامج نوع من الامتعاض إن جاز التعبير، أو عدم الارتياح، لكن بعد فترة من وقت تطبيقه أحس عدد كبير ممن لهم أبناء في هذه المدارس، إن هذا البرنامج خفف لديهم كثيراً من المعاناة التقليدية التي يعانيها الآباء عادة من الأبناء، خصوصاً بعد خروجهم من المدارس فترة الظهيرة، مشيراً إلى أن برنامج اليوم الكامل هو عبارة عن برنامج تم من خلاله مد اليوم الدراسي التقليدي إلى مدد أطول لأجل استثماره الاستثمار الأمثل، فنحن نعرف أنه يقال إن الأيام الدراسية في المملكة هي الأقصر بين دول العالم، وأيضاً فيها عام دراسي هو من بين الأقصر كذلك في العالم، والمدارس عندنا تم إنشائها لتكون متميزة، وأن تتلافى سلبيات اليوم القصير والعام الدراسي، وربما لم يكن بالإمكان التحكم بالعام الدراسي، لكن بالإمكان التحكم باليوم الدراسي، موضحاً أنه يوم طويل، لكن في المقابل كان هناك تنظيمات تساعد على إنجاحه، من ضمنها توفر المعلمين المميزين بولائهم للمهنة، وحبهم للمدارس سواء من إخواننا العرب أو غيرهم، مضيفاً تحقق للطلاب من دراستهم في هذا الوقت الكثير من الأمور منها، حل جميع الواجبات المطلوبة تحت إشراف المدرسين، فالطالب عندما يذهب للبيت يكون وقته مخصص للأسرة ولا ينشغل بالواجبات، لأننا نرى معاناة معظم الأمهات والآباء من حل الواجبات المنزلية، وربما البعض لا يملك المهارة لمساعدة أبنائه في ذلك. معلم يشرح لتلاميذه في إحدى مدارس التعليم العام هدر الوقت وأكد"د.الخطيب" أن بعض الطلاب الذين يخرجون مبكرين من مدارسهم، لا يستغلون الوقت كما ينبغي، بسبب وقوعهم في إشكالات مثل التسكع في بعض المواقع كالمقاهي وغيرها، فضلاً عن الإشكالات المرورية وما يترتب عليها من سلبيات متنوعة، مثل تزامن خروجهم مع الموظفين، لكن في نظام اليوم الكامل يكون العكس تماماً، وأعتقد أن الوقت الذي يخرج عن إطار وقت المدرسة يهدر، إلا من فئة قليلة من الطلاب الذين يهتمون بالتحصيل والاستذكار، مستطرداً بعد مرور فترة من تطبيقنا لهذا اليوم، أصبح الطلاب يستمتعون به، وأصبحت المدارس بالنسبة لهم هي حياتهم، ولم تصبح مؤسسة عادية، بل كانت اجتماعية ثقافية ترفيهية وتعليمية، فهناك الجانب الديني كالصلاة، والتواصل الاجتماعي الجيد بين الطلاب ومدرسيهم والإدارة، وحماية الطلاب بعد الله من المؤثرات الخارجية المختلفة، نتيجة وجودهم تحت إشراف تربوي كبير وفاعل، لافتاً إلى أنه بهذه الطريقة يضمن الطالب بإذن الله الحد المناسب من التحصيل الدراسي لديه، كما أن المدارس بوجود هذا النظام كانت تساعد الطلبة على التحصيل الدراسي الجيد، فنحن الآن لا نقارن مع المدارس الأخرى التي يسعى لها كثيرون إلى تحصيل الدرجات النهائية، وإنما اكتساب الخبرة التعليمية داخل المدارس، والجانب الآخر أن معظم الطلاب الذين التقيت معهم قالوا: نحن ربما كنا نتضايق من اليوم الكامل، لكن الآن نشكركم، لأننا وجدنا أنه عند ذهابنا للجامعة، فنحن الوحيدون الذين تكيفوا مع البرامج الجامعية بسرعة، مهما طال اليوم، بينما زملاؤنا الذين لم يدرسوا من قبل هذا البرنامج لم يستطيعوا التكيف ووجدوا معاناة في ذلك. مدرسة ناجحة ويوضح "د.الخطيب" أن المزايا كثيرة لتطبيق اليوم الكامل، لكن ليست كل مدرسة تستطيع أن تكون ناجحة في تطبيقه، ما لم تتوفر فيها خصائص معينة، ولكن نتمنى أن تسير المدارس على هذا الخط لأن فيه منافع كبيرة، من خلال تهيئة المبنى لكي يساعد الطلبة على الاستفادة من ما هو متاح من خدمات وأنشطة، ويجب أن يكون المعلمون مهيئين لتقبل مثل هذا، فلا يمكن أن تطلب منهم البقاء إلى الساعة الخامسة أو السادسة، وأنت تعاملهم من الناحية المالية كالمعلمين الذين يخرجون الساعة الثانية عشر أو الواحدة، مشيراً إلى أهمية أن تكون الخدمات المقدمة للطلاب مميزة وحقيقية، ولابد أن تكون جدية حتى يتحقق بسببها منافع كثيرة، حيث كنا نحرص على تقديم برنامج إضافي يشكل تقريباً (40%) من البرنامج اليومي، و(60%) تغطي المنهج المقرر من وزارة التربية والتعليم، وهذا يساعد على تخطي كثير من الصعوبات الخاصة بالتعلم. رياضة نسائية وتقول الطالبة "نوف العوني" مرحلة أولى ثانوي: لا نقارن تعليمنا بالتعليم في الدول المتقدمة، لأن مناهجنا للأسف تعتمد ومازالت على أساليب تقليدية أكل الزمن عليها وشرب، فمدارسنا لا يوجد بها أي وسائل للتعليم الحديث، سوى مناهج تعتمد على الحفظ والتلقين فقط، بعيداً عن المهارات، إننا نحتاج إلى نظرة ثاقبة لواقع مدارسنا، لأن المعلمين أعتبرهم هم أول أسباب فشل تعليمنا، ولو عدنا للزمن الماضي نجد أن من يملك الشهادة الإبتدائية يعمل معلماً أو خطيباً، لأن تحصيل الطالب العلمي والمعرفي كان كبيراً، بسبب دور المعلم في جذب الطلاب وحبهم للمدرسة، مضيفةً إذا أرادت وزارة التربية والتعليم أن تطبق اليوم الدراسي الكامل، فلا بد أن تلبي أولاً احتياجاتنا كمتعلمات، وأن يسبق ذلك التهيئة الجيدة لمدارسنا ثم يأتي التطبيق، كما أطالب الوزارة بربط المدرسة بالمجتمع عن طريق الانترنت وإعداد البرامج التعليمية، بالإضافة إلى البرامج الترفيهية، التي من أهمها الرياضة التي تتناسب مع طبيعة الفتاة، بعيداً عن تأويل ما قد تجره رياضة الفتيات من "تهويلات"، يراها البعض أنها سوف تفسد البنات، فأين هم عن الفساد الذي يحصل الآن في المدارس وخصوصاً المدارس الثانوية، فلو صرفت طاقة الطالبات في رياضة أو مهارات تتناسب مع وضعهن، فإنهن سوف يشغلن أوقاتهن بالمفيد بإذن الله، وسيكون تطبيقه مفيداً لا رتيباً.