بدر العساكر: برحيله خسرنا قامة فنية وثقافية الفنان سعد العبيد، أحد رواد الفن التشكيلي السعودي من الرعيل الأول، قامة فنية وثقافية، كان أنموذجا في كل شيء، كان والد الجميع وقدوتهم؛ كان الأكثر ألقا منذ الجيل الذي عاصره وحتى الجيل الذي ودعه؛ منذ أيام رحل عن دنيانا، تاركا غصة في الحلوق، وجرحا لا يندمل، برحيله فقدت الساحة التشكيلية فارساً من فرسانها النبلاء الأوفياء؛ وفقدت بعضا من ألقها وبريقها؛ وفقد الفنانون واحدا من أبنائهم البررة، وبرحيله ماتت إحدى أجمل شجرة، هو الأكثر اخضرارا وزهرا فواحا؛ وظلا لن ينكسر.. نعم برحيله انكسرت إحدى فرش الألوان التي ظلت تسكب الجمال منذ السبعينات؛ وبرحيله فقدت الساحة ثروة لا تقدر بثمن؛ هنا رثاه زملاؤه الفنانون بكلمات تقطر لوناً حزينا على فراقه:في البداية وفي تغريدة له نعى معالي الاستاذ بدر العساكر مدير المكتب الخاص لسمو ولي العهد، الراحل سعد العبيد قائلا: (برحيل الأستاذ القدير «سعد العبيد» - يرحمه الله - يخسر الفن التشكيلي السعودي قامة ثقافية فنية رائدة؛ كان يرى - رحمه الله - الفن عنصره الأهم.. ومنذ أكثر من 50 عاما، صنع تاريخاً بتميز الفنان الوفي الذي شرف بلاده. عزائي لأسرته ومحبيه؛ إنا لله وإنا إليه راجعون). الصفاء والنقاء والطيبة ويقول الناقد والفنان عبدالرحمن السليمان وبألم: (تواصلت معه فور دخوله المستشفى للاطمئنان عليه فرد علي بصعوبة جراء ما كان يعانيه من ضيق في التنفس، وبعدها بدأت أتابع حالته مع ابنه خالد). يواصل السليمان ويضيف: (معرفتي به مبكرة وتنامت خلال عملنا معا في جمعية الثقافة والفنون وحضوره معرضي الشخصي في العام 1983 وقبل ذلك حضوري لإحدى مشاركاته الفنية في الرياض أوائل الثمانينات، فازداد التواصل والأخوة والمعرفة). يستدرك ويقول: (من يتعامل مع سعد العبيد يدرك قدر الصفاء والنقاء والطيبة التي يتحلى بها والأخلاق العالية التي جعلت منه اسما كبيرا كصديق أو كأخ ووالد ومربٍ ومعلم). السليمان: عاش مخلصاً لفنه ووطنه الزياد: كان يصر على مشاركتي في المعارض ويكمل السليمان ويقول: (عاش جادا ومخلصا لفنه وأصدقائه وقبل ذلك لوطنه، وكان مثالا في التعامل وخدمة زملاء مسيرته، تعددت اهتماماته لأكثر من وجهة في مجال الفنون التشكيلية «الممارسة الفنية والتعليم والديكور والتنظيم والإدارة»، مشاركاته الفنية ممتدة منذ سبعينات القرن الماضي، وقبل ذلك عندما نتحدث عن بداياته المدرسية وحبه للرسم والألوان وحكايات طويلة يؤكدها في أحاديثه واستعداداته للبدايات؛ سواء كطالب أو كمعلم. حضر مع الفنان الراحل محمد السليم دورات في التربية الفنية بالطائف في ستينات القرن الماضي، لم يستكمل وظيفته كمعلم بانتقاله كآخرين إلى التلفزيون في قسم الديكور، يعتبر العبيد وآخرون الأقرب إلى السليم من حيث البدايات اذا وضعنا في الاعتبار المولد والمشاركات الأولى في المعارض المحلية؛ نشط في السبعينات وكانت فترة تنافس بين الأندية في استضافة معارض الفنانين والهواة ومحبي الرسم، فأقام أول معارضه في نادي الشباب بالرياض بداية السبعينات، واستمرت مسيرة العبيد فتقلد رئاسة لجنة الفنون التشكيلية لعشرة أعوام وهي التي تقلدها في البداية السليم، ومنح فعالية للجنة باستضافة المعارض الفردية والجماعية وفي الثمانينات كُلف بالتنسيق لجناح الفنون التشكيلية في معرض المملكة بين الأمس واليوم الذي طاف عددا من دول العالم، افتتح قبل أعوام صالته الخاصة بمنزله ليستضيف العروض الفنية ويقيم النشاطات بل ونظم ملتقى تشكيليا شارك فيه عدد من الفنانين السعوديين والعرب، أسهم في التأسيس لجماعة ألوان، ونظّم معارضها واستضاف أعضاءها، وقبلها مجموعة الرياض التي خلق وجودهما تنافسا كبيرا وإيجابياً في مدينة الرياض). يختم السليمان حديثه معلقا على أعمال العبيد: (أعمال العبيد نقية وغير متكلفة كقلبه وشخصيته، يرسم الطبيعة والبيئة المحلية بحب وشغف، رسم الصحراء ورسم المنازل الشعبية كما رسم بعض المظاهر الاجتماعية وكان قبل دخوله المستشفى ووفاته يراجع مادة كتاب فني ناقشني في بعض محتوياته ظل يعمل عليه منذ سنين لإصداره). رمز وطني وتصف د. منال الرويشد رئيس جمعية التشكيليين السعوديين (جسفت) الراحل بالرمز وترثيه قائلة: (رحيل الفنان التشكيلي الرائد الأستاذ سعد العبيد - رحمه الله - أحدث فجوة كبيرة في الوطن والثقافة السعودية والخليجية والعربية فهو رمز وطني مهم وقامة كبيرة بتاريخه وجهوده في إثراء الحركة التشكيلية وتشجيع الفنانين ودعم الشباب، فنان متواضع ومحبوب وله مكانة في نفوس عدد من المثقفين والمفكرين، لديه تاريخ طويل ثري جداً في الحركة التشكيلية قريب من مختلف الأجيال من الفنانين التشكيليين، عصامي بنجاحه وتألقه، دؤوب في عمله، من المثقفين الذين عملوا بهمة وجهود شخصية في إقامة المعارض التشكيلية وتكوين المجموعات والفرق مثل «جماعة ألوان» و تكوين «الملتقى التشكيلي» واهتمامه بالخطاب التشكيلي والمعارض والورش، وكانت له بصمة إنسانية لمعرض وفاء للفنان التشكيلي الرائد محمد السليم رحمه الله). تختم حديثها بالقول: (الراحل سعد العبيد قامة ورمز يعتبر فقده خسارة كبيرة للمملكة والمبدعين في كل الأجيال وفوق ذلك خسارة للوسط التشكيلي العربي وليس السعودي فقط، العزاء للوطن ولأسرته الكريمة وللوسط الثقافي التشكيلي). الأب الروحي للفنانين وتقول الفنانة خديجة الربعي: (رحل بالأمس الأب الروحي للفنانين، رحل عنا قامة فنية وموسوعة للفن السعودي، رحل عنا ولكنه سيبقى في دواخلنا وأحاديثنا وذكرياتنا مبتسما مازحا كما عرفناه، رحل وترك فينا معنى للوفاء هو من صنعه فينا كان مبادرا محبا ووفيا للجميع؛ برحيله فقدت الساحة التشكيلية السعودية ثروة هي سعد العبيد، لسنا بحاجة لأن نسطر أفعاله فالتاريخ كتب وسيكتب كل شيء جميل عنه؛ رحل وكم أعطانا من القيم وعلمنا تاريخ الفن السعودي وكم أعاد القصة علينا متفاعلا وفخورا كان يشعر بلذة الإنجاز في وقت لم يكن الفن السعودي فيه بصمة حيث صعوبة البدايات، وحقا عشنا تجاربه بطريقته السردية المعتادة وأعاده مرارا وتكراراً وكأنه يخبرنا أن للمملكة السعودية بصمة يفخر بصنعها أجيال وأجيال وستبقى وتستمر بالأجيال القادمة). تضيف الفنانة خديجة: (كان معلما صارما يمزج المعرفة بروحه المعطاءة أعطى الكثير من علمه وبداياته لم يبخل ولم يجعلها خاصة به فتح مرسمه للمتذوقين وجعل منه متحفا صغيرا يستقبل فيه بكرم ويعقد الاجتماعات والمحاضرات والندوات كان منظما جعل لكل صفحة طابعا خاصا ومكانا خاصا في زاوية خاصة بمحترفه لكنها لم تكن خاصة به بل كان في منظوره ملكا للجميع يحق لهم الاطلاع عليها فهي ثروة من ثروات الفن السعودي وتاريخه ورواده). الرويشد: رحيله أحداث فجوة في الثقافة العربية الربعي: كان والد الجميع وبرحيله فقدنا ثروة تختتم حديثها قائلة: (لو كنت أكتب هنا أحلامي لدونت أن أكبرها كان لقاءه وأنا في أول صفوف الدراسة وتحقق الحلم، كان أبا ومعلما تعلمت منه بحب كل شيء وأعطاني كل شيء في مجال الفن لم أرَ شخصا يشبهه يسأل وهو من يحتاج السؤال، ويواصلك وهو من وجب علينا أن نكون معه؛ الأب لا يرحل قد يغيب ولكنه يبقى بكل شيء زرعه فينا وأمثال سعد العبيد لا ينساهم التاريخ فكيف بنا معشر البشر). طموح محب لمن حوله ويقول الفنان عبدالله الشلتي: (يعتبر أبو عبدالله أحد رواد الفن التشكيلي السعودي من الرعيل الأول الذين نحتوا الصخر في زمن البساطة، كان مكافحا طموحا محبا لمن حوله، عمل مدرسا ثم رساما في وزارة الإعلام - التلفزيون السعودي؛ تفرغ للفن وكان له دور محوري في تكوين جماعة الملتقى التشكيلي وكان منزله ملتقى للفنانين). يواصل ويقول: (أخذ بيدي وبيد الغالبية العظمى من الفنانين حيث ساهم في تسويق أعمالهم بطريقة أخوية بعيدة عن الربح المادي). وعن مشاركاته يقول: (كان ذا حضور فاعل حيث شارك في الأسابيع الثقافية السعودية وكان له وجود قوي، كما شارك في مرافقة معرض المملكة بين الأمس واليوم بجانب مشاركته في فعاليات الجنادرية لسنوات في إقامة المعارض والندوات فضلا عن مشاركته الفاعلة في إثراء حركة قرية المفتاحة التشكيلية؛ وكان العبيد مثقفا ومحاورا ومتحدثا له كلمته؛ لن أوفي العبيد حقه مهما تحدثت؛ أسال الله العظيم الكريم أن يغفر له ويرحمه). سيرة عطرة أما الفنان د. سلطان الزياد فيقول: (كان الراحل أحد الداعمين والمشجعين لي في بداية مشواري الفني، كان يصر على مشاركتي في المعارض؛ ويشرفني بحضوره في جميع المعارض التي أقيمها في صالتي بل كان يشرف الجميع في حضور المعارض). ويتذكر الزياد جانبا من المواقف الخاصة ويقول: (كثيرة هي تلك المواقف، أذكر منها أنني وعند فوزي بالمركز الأول في مسابقة معرض الفن السعودي المعاصر العام 2015 حال ظرف دون تمكني من الحضور لاستلام جائزتي فهاتفته لإبلاغ المسؤولين باعتذاري عن الحضور لأمر خارج عن إرادتي ولاحقا أخبرني مسؤول بوزارة الإعلام أن الفنان سعد العبيد قال له: «أنا سأستلم الجائزة عن الدكتور سلطان الزياد فهو ابني». رحل وبقيت ذكراه وتقول الفنانة هدى العمر: (رحل بجسده ولكن تبقي ذكراه في قلب كل فنان. نسأل الله تعالي أن يتغمده بواسع رحمته ويجعل مثواه جنة النعيم ويصبرنا وأسرته على فراقه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير). دعم الحركة التشكيلية ومن جانبه تحدث أستاذ الآثار المساعد بجامعة الملك خالد، ومدير جسفت عسير الدكتور علي مروزق قائلا: (فقدت الساحة التشكيلية السعودية أحد أبرز روادها الذين سطروا تاريخهم الفني بمداد من ذهب، بل وكان لهم دور بارز في دعم الحركة التشكيلية فنياً وثقافياً من خلال الملتقى الذي يقيمه في منزله باسم «صالة ملتقى سعد العبيد»، ويدعو له شرائح المجتمع من أكاديميين، ومثقفين، وفنانين، ومتذوقين، إضافة إلى الورش والمعارض الفنية، والقراءات النقدية، والأمسيات الفنية دعماً للفنانين التشكيليين من الجنسين، وإثراءً للمواهب الشابة بالجديد والمفيد». ويضيف مرزوق: (قيادة العبيد لجماعة ألوان وحنكته الإدارية أسهمت في مواصلة فعالياتها رغم اندثار العديد من الجماعات وينتمي إلى ألوان عدد من الفنانين من مختلف مدن المملكة وأنه تشرف بتقديمه لإحدى محاضرات العبيد عن تاريخ الحركة الفنية التشكيلية السعودية التي أقامتها الجماعة في مركز الملك فهد الثقافي - قرية المفتاحة التشكيلية بأبها ضمن فعاليات معرض ألوان وأقيم في ذات المكان، ووجده (رحمه الله) موسوعة وهو يتحدث عن تاريخ الفن التشكيلي السعودي؛ كان العبيد يتميز بحبه للفنانين والمتذوقين والمهتمين بالفنون، وأن آخر لقائه به عندما جمع النقاد والمتحدثين على مائدة عشاء بمنزله بعد انتهاء فعاليات «ملتقى النقد الأول» الذي نظمه معهد مسك للفنون بالرياض). ويختتم مرزوق حديثه بقوله: (لا أملك إلا أن أسأل الله العلي القدير له بالرحمة والمغفرة، وأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان). يعطي الآخرين بلا حدود وأخيراً تحدث الفنان محمد العبلان قائلا: (أحب هذا الفنان جداً وأحب طموحه وإصراره وعزيمته وعناده أحياناً، إنسان متواضع جداً ودائماً ما كنت أسأل نفسي ما الذي يجعل هذا الشخص ينظم المعارض ويهتم بالموهوبين وتقديم الشباب حتى الآن). يواصل العبلان ويضيف: (الراحل العبيد موسوعة تاريخية ومنظم جداً ويحب الترتيب والتنظيم؛ كان أحد الذين يتحلون بحب العطاء، ورغم أن الكثير من كبار الفنانين تركوا الساحة واقتصروا على أعمالهم ومراسمهم إلا أن العبيد ظل حاضرا؛ ولذا أعتبره أفضل فنان سعودي ما زال يمارس ويعطي الآخرين بلا حدود). بدر العساكر يستمع لشرح من الراحل من أعمال الراحل عن مدينة الرياض سعد العبيد سعد العبيد بورترية للراحل بريشة الفنان فهد الربيق الراحل العبيد خلال فعاليات الرسم في موسم العلا