كانت وفاة الرائد التشكيلي عبدالجبار اليحيا صادمة للوسط الفني الذي لا يزال يعيش حالة من الحزن العميق على رحيل أحد رواد ومؤسسي الحركة التشكيلية السعودية. التشكيلي عبدالجبار اليحيا المولود في الزبير بالعراق عام 1350ه (1929م)، عاد إلى وطنه الأم المملكة العربية السعودية في عام 1369ه، ويعتبر أول تشكيلي سعودي يشارك في معرض جماعي خارج المملكة وكان ذلك عام 1372ه. كما أنه أول محرر تشكيلي في الصحافة السعودية عام 1387ه. وهو أيضاً أول تشكيلي سعودي نظمت له جمعية الثقافة والفنون معرضاً شخصياً خاصاً به وكان ذلك في عام 1394ه. حصل على دبلوم في إدارة المطابع من كلية لندن للطباعة عام 1397ه، تعلم الفن ومارسه بصفة ذاتية مستغلاًً في ذلك تعدد أسفاره وكثرة قراءته ومشاهدته لصالات ومتاحف الفنون العالمية، وهو من المؤسسين لجماعة ألوان للفنون التشكيلية وعمل رئيساً لمجلس إدارتها. شارك في العديد من المعارض الجماعية داخل المملكة وخارجها. ونشرت عن أعماله الكثير من القراءات النقدية والتحليل لبعض الكتاب العرب والمحليين. وقد ساهم في ندوات فنية وأدبية وقدم بحوثاً عديدة في مجال الفن التشكيلي, كما ترجم كتاباً من اللغة الإنجليزية بعنوان "تقنيات اللون للفنان التشكيلي" إلى جانب تأليفه لكتاب بعنوان "اليحيا خمسون عاماً من الرسم". سعد العبيد: لابد من تكريم الفنان الراحل ضرورة التكريم بداية يتحدث لنا رفيق دربه التشكيلي القدير سعد العبيد الذي أكد على خسارة الساحة التشكيلية والثقافية السعودية والعربية لهرم من أهرام الثقافة؛ مشيراً إلى أن اليحيا حالة استثنائية قدم فنه بشكل ريادي وعالمي حقق معه اعلى درجات التوازن الفني والانساني والاخلاقي وقد مزج في مسيرته بين الكتابة والرسم وقدم خلال مشواره العديد من المعارض الشخصية بالإضافة إلى مشاركته في العديد من المعارض الداخلية والخارجية. هذا وأشار العبيد إلى ضرورة تكريم ذكرى الرائد اليحيا وما قدمه من فن وفكر عطاء امتد لأكثر من ستة عقود. سعد العبيد دمث الخلق محب للفن أما التشكيلي صالح النقيدان فتحدث قائلاً "إن الفنان الراحل من الرعيل الأول الذي تتلمذ على يديه العديد من الفنانين ونهج نهجه الكثير من المبدعين فهو علم من أعلام الفن التشكيلي ومثل المملكة في العديد من المحافل التشكيلية وله أسلوب خاص ومميز برز من خلال لوحاته التي تنم عن بصمة الفن السعودي المميز الذي نفتخر به". مشيراً إلى أن للراحل "لونه الخاص وأسلوبه المتميز في لوحاته كما كان دمث الخلق محباً للفن وأهله وشجع الكثير من المواهب في إبداء النصح والتوجيه وكان لي الشرف أن زاملته في جماعة "ألوان" حيث كنت أحد أعضائها وكان هو رئيساً لها وحريصا كل الحرص على أن تكون الجماعة بأفضل حال ولكن في السنوات الأخيرة أعاقه المرض عن متابعة نشاطه وأفكاره ولا نقول إلا رحمك الله أبا مازن وغفر لك وألهمنا وذويه الصبر والسلوان". صالح النقيدان عبدالرحمن السليمان قامة فنية التشكيلية خديجه العسيري أكدت أن الوسط التشكيلي فقد هرماً وقامة فنية كبيرة لن تعوض فقد عرف عن الراحل طيبة قلبه وأسلوبه الودود بين أحبابه ومساعدة المبتدئين. وأضافت أن الراحل اهتم بالفن والثقافة وجمع بينهما في إبداعاته وتركزت أعماله على عنصر المرأة والتراث كما امتاز أسلوبه بالبساطة وعمق الفكرة. صديق الأدباء والتشكيليين التشكيلي والناقد عبدالرحمن السليمان أكد على أن أهمية اليحيا لا تتمثل في كونه رساماً ظهر في وقت مبكر فحسب، بل "أن هذا التشكيلي كان يواكب فنه بوعي مبكر بدور الفن، دور الفن في الحياة الاجتماعية والتعبير عن القضايا التي يؤمن بها"، وأشار السليمان إلى أن سيرة اليحيا مليئة بالأنشطة والثقافة الفنية، فقد كان صديقاً للأدباء مثلما كان صديقاً للتشكيليين، كما كان اليحيا نشطاً منذ تنظيم جمعية الثقافة والفنون لمعرضه الشخصي في مدينة الرياض وقد عرف عنه اهتمامه بجوانب البيئة المحلية ورسم المشاهد الصحراوية وهو اهتمام سائد كان يتجه إليه فنانون آخرون مثل محمد السليم، سعد العبيد وغيرهم، حيث ظهر أثر هذه الاهتمامات في أعمال لاحقة له في الثمانينات والتسعينات على حس أعماله المبكرة ولكن على شيء من خبرة وحداثة فنية، فقد كان شديد التعلق بالمكان وبساطته، وهو ما يظهر على أعماله التي تتسم بالاختزال والبعد عن التفصيلات إلا بما يحقق مضموناً غالباً يسعى إلى تحقيقه. ويرى السليمان أن اليحيا اهتم بالتعبير بعيداً عن البحث في الأساليب والاتجاهات الفنية، ويضيف لكن العين المدربة لا تخطئ أسلوب الفنان وحساسيته كما لا تخطئ معالجاته كأن يرسم محاكيا المشاهد الطبيعية أو المكانية أو تمثيل الأشخاص ومحاكاتهم كما أن التعبير عند اليحيا يأتي وفق رؤية تجريدية هذا الاتجاه الذي كان أكثر حضوراً في أعماله الثمانينية وما بعدها. الراحل مع عبدالله الشيخ, أحمد السلامة, السليمان, حازم اليحيا ومحمد فضل عبدالجبار اليحيا رحمه الله