احتفلت المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً بيومها الوطني المجيد التسعين الذي صادف الأول من برج الميزان الموافق للثالث والعشرين من شهر سبتمبر الجاري، مستذكرة إنجازات الماضي العظيمة ومستشرفة في الوقت نفسه المستقبل الواعد لبلادها العزيزة. فعلى مدى تسعين عاماً مضت على توحيد المملكة على يد مؤسسها وموحدها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيب الله ثراه)، والمملكة تشهد إنجازات حضارية عملاقة بسواعد أبنائها الأوفياء في شتى مجالات ومناحي الحياة، التعليمية والصحية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي سطرت جميعها وكتبت بحروف من ماء الذهب في التاريخ المعاصر، وليس ذلك فحسب، بل إنها حققت للمملكة نقلات نوعية شهد لها القاصي والداني، ووضعتها بين مصاف الدول العالمية من حيث الإبداع والإنجاز والتقدم. قواسم حضارية ونتاجاً لهذا العمل الوطني الدؤوب والإنجازات الطموحة للمملكة، فقد أصبح اسم المملكة يَلوُح في الأفق وحديثاً على كل لسان على المستوى الدولي، ومنح المملكة تأشيرة دخول للانضمام بجدارة واقتدار لأكثر من منظمة أممية دولية مرموقة السمعة ينضوي تحت مظلتها أكثر الدول تقدماً وتأثيراً في العالم، مثل منظمة الأممالمتحدة، ومجموعة دول العشرين، ومنظمة التجارة العالمية، وغيرها من المنظمات الدولية. والقطاع المصرفي السعودي، أحد القواسم الحضارية العملاقة المشتركة، التي شهدت على مدى تسعة عقود مضت على تأسيس المملكة، إنجازات واثبة وطموحة، شكلت للمملكة حضوراً عالمياً قوياً في مجال التعاملات المالية، للدرجة التي أصبح فيها القطاع البنكي السعودي عضد الدولة الاقتصادي وسندها في كل المحطات المفصلية عبر تاريخها العريق، إذ تحتفل المملكة العربية السعودية بيومها الوطني ال90، في ظروف استثنائية، بعد أن اجتاح وباء كورونا العالم، وتسبب في تعطيل مختلف مظاهر الحياة في معظم دول العالم، وأجبرها على اتخاذ إجراءات وتدابير صحية ووقائية قاسية تمثلت بإغلاقات وقيود مشددة، ما كبد الاقتصاد خسائر غير مسبوقة، فإن المملكة وقطاعها المصرفي لم يكونا بِمعزلٍ عن تبعات الجائحة. تخفيف الضرر ولأن صحة المواطن السعودي لها الأولوية في فكر ورؤية القيادة الحكيمة، جاءت استجابة حكومة خادم الحرمين الشريفين بما ينسجم مع هذه الغاية، وبالتوازي كان الحرص على تخفيف الضرر الاقتصادي على المواطن، جراء الإجراءات الوقائية. وهنا برز دور القطاع المصرفي الذي كان يدرك أن المكسب الفعلي في حماية رأس المال الحقيقي وهو الإنسان، وبأن المسؤولية الاجتماعية والمواطنة تفرض التكافل مع المجتمع والدولة حتى يعبر الجميع إلى بر الأمان. وفي هذا السياق، جاءت استجابة البنوك الاستثنائية والمبكرة للمبادرات التي أطلقتها الحكومة من جهة، ومؤسسة النقد العربي السعودي من جهة أخرى، إضافة إلى المبادرات الذاتية التي تبنتها البنوك في إطار المسؤولية الاجتماعية، حيث واصلت البنوك تقديم خدماتها إدراكاً منها لأهمية التعاملات المالية والمصرفية في حياة الأفراد والاقتصاد، مع الالتزام التام بأقصى معايير السلامة وإجراءات الوقاية اللازمة، بعدم الاكتظاظ، وتوفير مستلزمات التعقيم والوقاية داخل الفروع وإجراءات الفحص الطبي الوقائي للداخلين، إلى جانب ما شهدته مباني البنوك وأفرعها من تنفيذ حملات للتعقيم الشامل. كما التزمت البنوك بقواعد التباعد الاجتماعي، من خلال تنفيذ برنامج العمل عن بعد لموظفيها، والاكتفاء بعقد الاجتماعات بالوسائل المرئية عن بعد. الحلول المصرفية وفي هذا السياق برزت الحلول المصرفية والمالية الإلكترونية التي أتاحت أمام العملاء قائمة واسعة من الخيارات التي تمكنهم من إتمام تعاملاتهم المالية عن بُعد واعتماداً على القنوات الإلكترونية التابعة للبنوك كالدفع من خلال الهواتف الذكية، وإصدار بطاقات رقمية من خلال تطبيق البنك على الهواتف الذكية، وإتاحة إمكانية فتح الحسابات المصرفية عن بُعد، وتقديم طلبات الحصول على التمويل، وإجراء الحوالات المالية، وتقديم طلبات الاعتمادات البنكية، ودفع رواتب الموظفين. وقد استفادت البنوك السعودية من البنية الرقمية التحتية التي تتمتع بها لتثبت حصافة رؤيتها المبكرة إلى أهمية التحول الرقمي، وريادتها السبّاقة في ولوج مستقبل العمل المصرفي، ما مكنها من مواصلة أعمالها بكل كفاءة خلال الجائحة. مواجهة الوباء وعلى صعيد التوعية، ساهمت البنوك بشكل فاعل في حملات التوعية لحث المواطنين والموظفين على الالتزام بإجراءات السلامة والوقاية، ومواكبة للجهود والإجراءات الحكومية التي تتبناها المملكة في مواجهتها لوباء كورونا، واستجابة لمبادراتها الرامية إلى حشد الجهود المجتمعية للحد من آثاره على مختلف الفئات والقطاعات في المجتمع، ساهمت البنوك السعودية بمبلغ 100 مليون ريال سعودي لحساب «الصندوق المجتمعي» الذي أطلقته وزارة الموارد البشرية والتنمية المجتمعية والهيئة العامة للأوقاف، بهدف دعم الفئات الأشد حاجة والأكثر تضرراً من هذا الوباء. كما ساهمت بأكثر من 160 مليون ريال لدعم صندوق «الوقف الصحي» الذي تبنته وزارة الصحة بهدف مساندة جهودها، وتمكينها من مواصلة مشوارها في مكافحة الوباء، ورفع جاهزية وقدرة النظام الصحي بكافة مقوماته الإدارية والوقائية والاستقصائية والعلاجية والتوعوية للحد من انتشار الفيروس، وتهيئة البيئة الملائمة الكفيلة بالتصدي لهذه الجائحة وحماية صحة الإنسان وسلامته. مبادرات اجتماعية وعلى مستوى المبادرات الاجتماعية للبنوك، بادرت البنوك السعودية كذلك بتأجيل أقساط (3) أشهر لكافة العاملين في القطاع الصحي الحكومي والخاص للذين لديهم تسهيلات ائتمانية (عقارية، استهلاكية، تمويل تأجيري) دون تغيير في التكلفة، وذلك تقديراً لجهودهم المضنية، للمحافظة على صحة المواطن والمقيم. ويأتي ذلك استمراراً لدور البنوك في دعمها للوطن وأبنائه. وتماشياً مع قرارات مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، قدمت البنوك حزمة من الإجراءات التشجيعية والتحفيزية لدعم عملائها من قطاعي الأفراد والشركات وقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وبما يسهم في الحفاظ على استمرارية قطاعات الأعمال في ظل الظروف الاستثنائية التي تشهدها المملكة، والحد من آثارها المالية والاقتصادية. كفالة تمويل وإلحاقاً ببرنامج مؤسسة النقد العربي السعودي المعلن بتاريخ 14 مارس 2020، الذي تصل قيمته في المرحلة الحالية إلى نحو (50) مليار ريال، الهادف إلى تمكين القطاع المالي من دعم نمو القطاع الخاص في إطار دعم جهود الدولة «أيدها الله» في مكافحة فيروس كورونا (COVID-19) وتخفيف آثاره المالية والاقتصادية المتوقعة على القطاع الخاص وتمكينه من القيام بدوره في تعزيز النمو الاقتصادي، خصوصاً على قطاع المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، أطلقت المؤسسة بالتعاون مع برنامج كفالة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة (كفالة) برنامجَ التمويل المضمون، من خلال ضمان ما نسبته (95 %) من قيمة التمويل الممنوح وفق الآليات المعتمدة ضمن برنامج كفالة، بهدف تقديم دعم إضافي وتعزيز الجدارة الائتمانية للمنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والتغلب على تحديات تمويل هذه المنشآت، ما يخفف عليها أثر الانخفاض بالتدفقات النقدية، ويسهل عليها خدمة عملائها، وسداد رواتب ومستحقات موظفيها. التمويل المضمون ويمكن الاستفادة من برنامج التمويل المضمون من خلال البنوك وشركات التمويل الخاضعة لإشراف المؤسسة، المشتركة مع برنامج كفالة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة (كفالة)، كما يمكن لجميع المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الاستفادة من برنامج التمويل المضمون لمختلف أنواع التسهيلات المقدمة حالياً للمنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر (تمويل رواتب الموظفين، تمويل فواتير المنشآت، تمويل رأس المال العامل، إعادة تمويل تسهيلات قائمة). ومن أبرز مميزات برنامج التمويل المضمون؛ إعفاء المنشآت من أي رسوم إدارية ومن تقديم أي ضمانات عينية، كما ستتحمل مؤسسة النقد رسوم الضمان لصالح برنامج كفالة بدلاً من العميل، وسيتيح البرنامج للعميل إمكانية بدء السداد بعد ستة أشهر من تاريخ منح التمويل، وضمان حدّ أقصى للأرباح والرسوم التي تتقاضاها جهات التمويل، بحيث لا تزيد على (4 %) من قيمة التمويل سنوياً. تعزيز السيولة كما قامت مؤسسة النقد بضخ مبلغ خمسين مليار ريال إضافية لتعزيز السيولة في القطاع المصرفي وتمكينه من الاستمرار في دوره في تقديم التسهيلات الائتمانية لعملائه كافة من القطاع الخاص، بما في ذلك دور البنوك في دعم وتمويل القطاع الخاص من خلال تعديل أو إعادة هيكلة تمويلاتهم دون أي رسوم إضافية، ودعم خطط المحافظة على مستويات التوظيف في القطاع الخاص، إلى جانب الإعفاء لعدد من رسوم الخدمات البنكية الإلكترونية. تحويل العملات كما أقرت البنوك إعادة رسوم تحويل العملات الأجنبية للعملاء الذين قاموا بإلغاء حجوزات السفر التي تمت عبر بطاقاتهم الائتمانية أو بطاقات مدى أو البطاقات مسبقة الدفع، وإعفاء الحوالات المالية المحلية من رسوم التحويل، فيما تم إعفاء العملاء من رسوم انخفاض الرصيد عن الأدنى حتى ستة أشهر. الأزمة الصحية إن الاستجابة التي أبدتها البنوك السعودية في الأزمة الصحية العصيبة التي حلت بالعالم أجمع لمواجهة تفشي فيروس كورونا، أكدت على دور القطاع المصرفي كدعامة رئيسة للاقتصاد الوطني، وشريك وفيّ للقطاع العام، إذ لم يخذل الوطن يوماً، وطالما لبى نداء الواجب وعبّر عن مواطنته الصادقة، ومسؤوليته تجاه مجتمعه، وقد أسعفته سمعته المصرفية العالمية المرموقة من أداء دوره بكفاءة، إذ تُعد البنوك السعودية من البنوك الآمنة وفق التصنيفات الدولية، وتحظى بملاءة مالية متينة، وتصنف خدماتها الإلكترونية من بين الأفضل والأكثر حداثة على مستوى العالم، حيث أشارت مؤسسة النقد العربي السعودي إلى أن القطاع المصرفي ما زال يسجل مؤشرات أداء جيدة، ما يُعزز قدرته على مواجهة التحديات والأزمات، حيث سجل إجمالي موجودات القطاع بنهاية الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق أكثر من 2.8 تريليون ريال بارتفاع سنوي بلغت نسبته 14.67 % في الوقت الذي ارتفعت فيه الاحتياطات المصرفية للفترة ذاتها بنسبة 17.6 %. مطلوبات المصارف كما سجل رأس المال نمواً سنوياً بلغ في نهاية الربع الثاني بنسبة 2.85 ٪ ليصبح 394 مليار ريال مقارنة بالربع الثاني من العام الماضي، وكذلك ارتفعت الودائع تحت الطلب بنسبة 13.4 ٪ لتصبح 1.2 تريليون ريال، في حين سجلت مطلوبات المصارف من القطاع الخاص نمواً سنوياً قدره 13 ٪ لتصبح 1.67 تريليون ريال مقارنة بالربع الثاني من العام السابق. وقد انعكست هذه المؤشرات إيجابًا على استمرار المصارف التجارية في أداء دورها المحوري في التنمية الاقتصادية في المملكة. إن القطاع المصرفي السعودي بدعم من مؤسسة النقد العربي السعودي ودورها في المحافظة على الاستقرار المالي، تمكن من زيادة كفاءته التشغيلية والإدارية والبنيوية بما يسهم في دعم تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 وفق مستهدفات برنامج تطوير القطاع المالي، أحد أبرز برامج الرؤية لتساهم - بإذن الله - في مسيرة التنمية والرخاء التي يقودها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين - حفظهما الله -. فقد أثبت القطاع أنه على قدر المسؤولية وعند حجم التوقعات، وكان وفياً للمملكة وللقيادة الحكيمة التي طالما منحته دعمها وثقتها بلا حدود أو توقف.