تسارع الأحداث في ليبيا ودخول مجموعة من الأطراف على الخط تجعل القارئ العادي أمام صعوبة الإلمام بواقع الصراع على الأرض وهو ما يستدعي تدخل الباحث في الدراسات الاستراتيجية لمحاولة استقراء المعطيات على الميدان وإسقاطها على التوجهات السياسية والإيديولوجية التي تتبناها تركيا مع رصد التقاطعات البرغماتية مع التنظيمات الإرهابية بشقيها القتالي والسياسي، دون إغفال المعطى العرقي الذي يوجه التكتيكات الحربية لأردوغان في ليبيا لاعتبارات عنصرية وأخرى سياسية مرتبطة بالإكراهات الانتخابية. في هذا السياق، فإن محاولة التدليل على توجيه تركيا للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسهم جماعة الإخوان الإرهابية والقاعدة لا تحتاج إلى الكثير من العناء في ظل سقوط الأقنعة وتأكيد رؤوس هذه التنظيمات على ارتمائهم وولائهم للأجندة التركية، ولو أن هذا التحالف الهجين يظل مهدداً بالانفجار في أي لحظة بالنظر إلى الاختلافات الايديولوجية والسياسية والمذهبية وهو ما يجعلنا على يقين بأن هذا التحالف المرحلي سينفرط عقده على مستوى حسم السلطة السياسية في حالة نجاح الإرهاب الدولي في نشر التوحش على جميع التراب الليبي. تركيا والإرهاب.. من محطة عبور إلى التصدير ساهمت الأزمة السورية التي أعقبت ما أطلق عليه بالربيع العربي في تعرية الوجه الحقيقي لتركيا وأردوغان عندما قدمت أنقرة نفسها كعرابة للتيارات الإرهابية وكنقطة الضبط والربط بين الإرهاب العالمي والجماعات التكفيرية في الداخل السوري، وشكل مطار إسطنبول محطة عبور إجبارية للإرهابيين والذين يتم التكفل بهم من طرف النظام التركي من خلال توفير ملاذات آمنة لهم في انتظار وصول دورهم لدخول مناطق الصراع قصد استباحة عاصمة الخلافة الأموية. ويمكن القول بأن تركيا نجحت في إدارة بعض مناطق التوحش في سورية واستطاعت الركوب على الوضع الأمني الهش لإخضاع مناطق في حلب والرقة والحسكة لواقع الاحتلال الفعلي للاحتلال العثماني الجديد، في ظل سيادة العلم التركي والعملة والتعاملات الإدارية وهي أهم التمظهرات السيادية للدول. هذا التوسع التركي نحو الجنوب فتح شهية أردوغان لاستنساخ التجربة السورية في ليبيا بعدما نجح في إقناع حكومة غرب ليبيا بتوقيع الاتفاق السياسي والأمني والذي اتخذه أردوغان مبررا لاستباحة الأراضي الليبية مستدلا على ذلك بالاتفاق السوري الروسي والذي سمح للقوات العسكرية الروسية بدخول سورية والدفاع عن نظام بشار الأسد، مع الاختلاف الكبير في التكييف القانوني للحالتين. ودون الدخول في نقاش دستوري حول شرعية حكومة السراج، فإن الارتباط بنقطة البحث يجعلنا نكتفي ببسط العلاقة بين تركيا والجماعات الإرهابية لنشر التوحش في ليبيا والقيام بالركوب عليه وإدارته إما بطريقة مباشرة أو عن طريق الإخوان والتي لها امتداد تنظيمي يجعلها تعتقد أنها قادرة على حكم ليبيا ولو تحت المظلة العثمانية. الوقائع على الأرض تفيد بأن أولى التدخلات التركية في ليبيا تعود إلى سنة 2014 وبالضبط في مدينة بنغازي حيث قام أردوغان بتمويل الخلايا الإرهابية في هذه مدينة ولو أن هذا الدعم ظل في حدود ضيقة وبدون إعلان تركي صريح. عملية القبض على المرتزقة الذين يقاتلون إلى جانب حكومة السراج مكن الجيش الوطني الليبي من تجميع معطيات متقاطعة تفيد بوجود عشرات الآلاف من المرتزقة ينتمون إلى 60 دولة قامت تركيا بجلبهم إلى ليبيا بتمويل قطري وهو المعطى الذي أكدته المبعوثة الأممية بالإنابة استييفاني ويليامز في تغريدة لها على تويتر، حيث حذرت من وجود حرب بالوكالة في ليبيا. هذه الخلاصة أكدها الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري في لقاء صحفي حين قال بأن الإخوان والإرهابيين يقاتلون من أجل تركياوقطر، وهما بدورهما يحاربان نيابة عن قوى أخرى لتدمير المنطقة العربية. من جهة أخرى يبدو أن أنقرة تولت زمام قيادة التنظيم الإخواني وباقي التنظيمات التكفيرية فيما اكتفت قطر بدور المصرفي الذي عليه تحمل الأعباء المادية لسياسة التوسع والتوحش التركية التي أنهكت الدوحة في ظل النداءات التركية الأخيرة بضرورة مساهمة قطر في تفادي انهيار الليرة التركية وهو ما يقطع بتبعية قطر الكلية لحكم العثمانيين الجدد. لقد تولت أنقرة مهمة توجيه رؤوس الإرهاب في ليبيا وعلى رأسهم المدعو عبدالحكيم بلحاج أمير الجماعة الليبية المقاتلة وأحد أبرز عناصر تنظيم القاعدة ورئيس حزب الوطن الحليف الأبرز للتنظيم الإخواني، بالإضافة إلى المدعو محمد علي الصلابي، أحد أخطر قيادات الإخوان في ليبيا والذي سطر التكتيكات الإخوانية والآليات الكفيلة بالوصول بالجماعة إلى مرحلة التمكين في الدول التي تنشط من خلالها. وهناك أيضا المدعو إسماعيل الصلابي (الملقب بخفاش الظلام) وهو أخ محمد علي الصلابي ويشغل مهام قائد كتيبة راف الله السحاتي، وكان الصلابي قد احتل المركز ال26 في قائمة الإرهاب التي أعلنتها دول الاعتدال العربية (المملكة والإمارات ومصر والبحرين) حول الأفراد والكيانات الراعية للإرهاب في ليبيا. وإذا كانت أهداف أردوغان في ليبيا اقتصادية وتوسعية، فإن التنظيمات الإرهابية ترى في بلاد المختار مجالا ترابيا مناسبا لتحقيق مشاريع التوحش على اعتبار تحقُّق مجموعة من الشروط الذاتية والموضوعية يُلخصها أبو بكر ناجي في التالي: بالنظر إلى الروابط المشتركة بين الدول التي يمكن أن يحدث فيها مناطق توحش نلاحظ أنه يجمعها بعض أو كل المقومات الآتية: * وجود عمق جغرافي وتضاريس تسمح في كل دولة على حدة بإقامة مناطق بها تدار بنظام إدارة التوحش. * ضعف النظام الحاكم وضعف مركزية قواته على أطراف المناطق في نطاق دولته بل وعلى مناطق داخلية أحيانا خاصة المكتظة. * وجود مد إرهابي مبشر في هذه المناطق. * طبيعة الناس في هذه المناطق، فهذا أمر فضل الله به بقاعاً على بقاع. * كذلك انتشار السلاح بأيدي الناس فيها. إن التنسيق التركي مع الجماعات الإرهابية يجد مبرراته في حاجة هذه التنظيمات إلى دول مثل قطروتركيا لاستكمال مشاريع التوحش في البلدان العربية، وهنا نجد أبو بكر ناجي يقول: ثم ترتقي مناطق الفوضى والتوحش إلى مرحلة إدارة التوحش، بينما تستمر باقي مناطق ودول العالم الإسلامي بجناحين جناح الدعم اللوجستي لمناطق التوحش المداراة بواسطتنا وجناح شوكة النكاية والإنهاك للأنظمة حتى يأتيها الفتح من الخارج بإذن الله. (أقصد بالدعم اللوجستي (المال)، (محطة انتقال أفراد)، (إيواء عناصر)، (الإعلام) الخ ... هذا الإكراه الاستراتيجي يدفعنا للحديث عن الدور التركي في ليبيا. الدور التركي في خلق التوحش في ليبيا من خلال ما طرحه منظر التنظيمات الإرهابية أبو بكر ناجي يمكن استنباط الإكراهات التي تواجه هذه الجماعات والتي يمكن تلخيصها في إكراه المال وأماكن الانتقال وخطوط الانسحاب، وإيواء العناصر الإرهابية والتغطية الإعلامية لنشاط هذه التنظيمات. وتبقى التنظيمات الإرهابية على استعداد لإبرام مجموعة من التوافقات مع الدول المستعدة لتغطية الثغرات الاستراتيجية لهذه الجماعات، حيث تكفلت تركيا، وقبلها قطر، بتوفير كل ما تحتاج إليه هذه الجماعات الإرهابية من دعم مادي وإيواء لعناصرها الهاربة وكذا التغطية الإعلامية التي انفردت بها الأذرع الإعلامية لأنقرة وكذا الكتائب الإلكترونية الإخوانية. يتبين أن التحالف بين أردوغان والجماعات الإرهابية أملته إكراهات استراتيجية لدى الجانبين بعيدا عن الولاء الإيديولوجي الذي قد يعتقده البعض، وهو ما يبدو جليا عندما ترفض التنظيمات التي تنسب نفسها إلى تيار السلفية الجهادية أن تعلق على طبيعة نظام الحكم في تركيا أو على مجموعة من المظاهر التي تجرح في ادعاءات أردوغان بأن إسطنبول تريد إعادة إحياء أمجاد الخلافة العثمانية. بالمقابل فإن توفير الدعم اللازم للتنظيمات الإرهابية يفرض على هذه الجماعات خدمة الأجندات التركية وتوفير المقابل المتفاوض عليه والمتفق بشأنه، والذي يمكن إجماله في نقطتين أساسيتين: * توجيه ضربات نكائية للدول التي لم تخضع أو تتماهى مع الطرح السياسي والاستراتيجي لتركيا. * استباق التدخل التركي عن طريق خلق حالة من التوحش تتم إدارتها من طرف التنظيمات الإرهابية وعلى رأسهم جماعة الإخوان ومن تم تسهيل وشرعنة التدخل التركي في هذه الدول (سورية، ليبيا، اليمن) الاستعلاء العرقي عند أردوغان لاحظ الجميع أن أردوغان يسعى لنقل أجندته التوسعية في ليبيا عبر حشد وتجييش المرتزقة العرب لتوجيههم لمناطق النزاع خدمة للأجندة التركية مع تفادي الزج بالعنصر التركي إلاَّ في حدود ضيقة عندما يتعلق الأمر بمهام تقنية أو بضمان منظومة الضبط والربط بين الوحدات العسكرية. هذا المعطى يجد ما يبرره في اقتصار الخسائر التركية على بعض مراكز القيادة والتوجيه (قاعدة الوطية العسكرية) وعدم سقوط أي جندي تركي على جبهات القتال. هذا الاستعلاء العرقي يُخفي عقيدة عنصرية خبيثة ويحاول حزب العدالة والتنمية التركي إخفاءه تحت مبررات عقدية يتم الترويج لها من طرف قيادات التنظيم الدولي للإخوان والذين يحاولون تصوير ما يقع في ليبيا على أنها حرب مقدسة وجهاد من أجل رفع راية الإسلام وإعادة الخلافة الإسلامية. من خلال ما سبق يتأكد للجميع بأن مخطط أردوغان بالوكالة انتقل من مساعدة التنظيمات الإرهابية وتسهيل عمليات انتقالها إلى مناطق النزاع فيما يشبه محطة ترانزيت إلى مرحلة صناعة الإرهاب والتوحش في المنطقة العربية في أفق التنزيل المادي لمشاريع الشرق الأوسط الجديد كما تعهد بذلك أردوغان لعرابيه كشرط لتمكينه من حكم تركيا. ويبقى مخطط تقسيم ليبيا أحد مظاهر هذا المشروع الاستعماري والذي يبدو أن معالمه بدأت تتضح رغم مجهودات بعض الدول العربية لاسترداد السيادة الليبية من مخالب الاستعمار العثماني الجديد. استولت تركيا على قرار وأموال قطر بمباركة أميرية