شُرع الطلاق لحكمة، وذلك عندما يتعذر بقاء عقد الزوجيَّة، إمَّا لخلُقٍ غير مرضيٍّ، بعد بذل النصيحة ونفاد الصبر، وازدياد الشقاق والخلاف ممَّا قد ينتج معه فتنة لأحدهما، ويتعذر معه حصول المقصود من النكاح وهي الألفة والمحبَّة والنسل الصالح، وإن كان كذلك فإنَّ الله تعالى بحكمته وفضله، يغني كلاً منهما من سعته عند التفرق، قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} فالله سبحانه يغني المطلِّق والمطلقة من سعة فضله، فيرزق الرجل بزوجة أصلح له، والمرأة بزوج أصلح لها من مطلقها أو بعفَّة ورزق واسع، كما أنَّ على كلٍّ منهما إحسان الظن بالله. أمَّا التهاون في الطلاق، بأن يطلِّق لأتفه الأسباب فهذا هو الذي لا ينبغي، وهو من الجهل، وعدم معرفة لقدر النعمة، إذ جعل الله له زوجة يسكن إليها، وجعل بينهما مودة ورحمة وعطفاً، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21] وقال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} والميثاق الغليظ هو عقد النكاح، والقيام بحقوقها، فإمَّا أن يعاشر بمعروف أو يسرِّح بإحسان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ" رواه مسلم فينبغي عدم الاستهانة بالطلاق، سواء من قبل الزوج أو من قبل الزوجة التي تطلب تطليقها لسبب تافه، ولو فكَّرا في الطلاق وما يؤول إليه لما استهانا فيه ولكانا أبعد عنه، وإذا وقع الطلاق فقد يحصل الندم بعده، ثم يتمنى لو عادت إليه، وقد يحول دون ذلك رفضها أو لطلاقه لها ثلاثاً، أو لعوائق أخرى، وقد تتمنى هي الرجوع إليه لكن لا يكتب الله لها ذلك، ويكون الندم أشد وقعاً إذا كان بينهما أبناء، فماذا سيكون حالهم! فعلى الزوج والزوجة أن يتعاشرا بالمعروف، ولئن ساء أحدهما الآخر مرة فليتذكر أنَّه سرَّه مرات، ولينظر كلٌّ منهما في محاسن الآخر، لا فيما يكره من خلق فحسب، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "أي: فعسى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" رواه مسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" رواه مسلم وكسرها طلاقها، فدونك أيَّها المتهاون بالطلاق هذا التوجيه الكريم من الكتاب والسنة فالزمه، فإنَّ الشيطان يفرح بفراق الزوجين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ" قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: "فَيَلْتَزِمُهُ" رواه مسلم. يلتزمه أي: يضمَّه ويعانقه. فعلى من عزم على الطلاق عند ازدياد الخلاف والشقاق مع زوجته أن لا يتعجَّل، وليستخر ويدعو الله بما فيه الخير من الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان، وليسأل أهل الفضل والصلاح والحكمة من أهل العلم وذوي الاختصاص في الشأن الأسري، فقد يرشدونه إلى ما تصلح به حاله مع زوجته.