اختار كرسي جامعة الملك سعود هذا الشَرَك المنصوب بين قطبي المسرح (المؤلف، والمخرج) لتجعله موضوع الكرسي لهذا العام، ولتنشر ما يقدمه أعضاء هذه الندوة من أبحاث في كتاب مُحكَّم كما تعودناه منها كل عام.. لم يكن هذا العنوان مجرد خاطرة تحط رحالها على ذهنية كاتب مهموم بكل تفاصيل المسرح - ليس فقط بكتابه ومخرجيه، وإنما بكل تفاصيله الدقيقة والمؤثرة في الوعي الجمعي - حاضرا لا يغيب وإن غابت بعض تقنياته وساءت ظروفه لكنه حي في الذاكرة الجمعية لكل الشعوب وفي كل الحضارات، نابها لا يهدأ، متحركا لا يسكن، لأنه مرتبط بحركة الوعي والقاعدة العامة، والتي هي أساس البنية الاجتماعية. نعم لم تكن خاطرة كاتب مسرحي مهموم بطائر الفينيكس الذي لا يشيخ، ولكن هذا الموضوع شديد الأهمية، وشديد الحساسية، وصاحب جدلية لا تهدأ منذ أن خرج المخرج عن جراب المؤلف مستقلا مبدعا ثانيا وقيل مؤلفا ثانيا في بعض المدارس الإخراجية؛ ولذا فقد اختار كرسي جامعة الملك سعود هذا الشَرَك المنصوب بين قطبي المسرح (المؤلف، والمخرج) لتجعله موضوع الكرسي لهذا العام، ولتنشر ما يقدمه أعضاء هذه الندوة من أبحاث في كتاب مُحكَّم كما تعودناه منها كل عام، لتثري المكتبة العربية بدراسات أكاديمية محكمة وموثقة ليس لهذه الحقبة التاريخية فحسب، وإنما للحقب المقبلة وللأجيال القادمة اطلاعاً واستفادة عبر دراساتها وأبحاثها في أوراق جيل مضى؛ هم رواد المسرح السعودي الذي سيحتفظ بهم بين ردهاته طيلة العصور القادمة، ونحن نعلم ذلك عندما ندرس كأكاديميين وطلبة ما يسمى ب (تاريخ الفن) الذي حفظ لنا إبداعات يوربيدس وسوفوكل وشكسبير وأقرانهم من مسرح الشرق بكل قدمهم وتاريخهم. والآن نجد أن جامعة الملك سعود تستمر في أمر عهدناه منها يوم أن كان المسرح السعودي يتعثر في أطراف ثيابه، وهي تعمل على نشر الكتب ذات الدراسات الأكاديمية المُحّكَمة، وتخصص الكرسي السنوي أكثر من مرة للمسرح مستجلية ما أن سيصبح عليه المسرح السعودي من مشروع تنموي وتوعوي وحضاري في بلورة وزارة الثقافة السعودية المتوقدة برؤية سمو ولي العهد - حفظه الله - حيث وضع المسرح على رأس قائمة الأعمال النهضوية المثمرة. وموضوع ندوة الكرسي هذا، جاء مواكبا لهذه الرؤية يحمل آمال وطموحات أجيال تعلقت أحلامهم بأهداب هذا العملاق الذي لن يهدأ، وما أن جاءت قضية جدلية في جميع العصور موضوعا لهذا الكرسي إلا أن استنهضت الجامعة كوادر مبدعة هم صفوة المسرح وشعلته، ليكتبوا ويبحثوا بأسلوب أكاديمي في هذه الجدلية بعناوين متعددة وهي: (المسرحية الشعرية في الأدب السعودي للباحثة الدكتورة نوال السويلم. نحو شعرية مغايرة قراءة في نصوص إبراهيم الحارثي المسرحية، للباحثة الدكتورة لطيفة البقمي. الخطاب المسرحي السعودي المعاصر بين الأدب والأدبية للأستاذة تركية الثبيتي. المسرح السعودي من الغياب إلى الحضور للكتاب المسرحي إبراهيم الحارثي. حول تاريخ المسرح الجامعي بجامعة الملك سعود للأستاذ الدكتور نايف الثقيل. رقمنة الملامح الشعبية في مسرح محمد العثيم للأستاذة الدكتورة إيمان التونسي. سيميائية الصورة البصرية في المسرح السعودي "مسرحية البندقية أنموذجا" للدكتور سامي الجمعان. اتجاهات الإخراج في المسرح السعودي للأستاذ نايف البقمي. الظواهر المسرحية والدرامية في الموروث الشعبي: نماذج مختارة للأستاذ على السعيد. فرقة مسرح الطائف الحركة والحراك: قراءة من داخل التجربة للأستاذ فهد ردة الحارثي. ثم (الكوزميك مايند) ومشكلات الكتابة، لكاتبة هذه السطور). وتبعا لما طرحناه سلفا أن هذه الوريقات التي تحتفل بها هذه الندوة في هذه الجامعة العريقة لم تكن هي سوى نواة لأبحاث أكاديمية مطولة تنشر في كتاب كرسي الجامعة والتي تُثرى بها المكتبة العربية والمسرح العربي، كتوثيق وتاريخ يحمل ملامح حقبة مضت، تتكئ عليها الحقبة القادمة؛ سواء كان بالدراسات والأبحاث لجميع الباحثين والدارسين من مختلف الوطن العربي أم من المهتمين أيضاَ بالمسرح السعودي على المستوى العالمي أيضا. وتأتي أهمية هذا الكرسي عنواناً فاصلاً، لأنها تحمل في طياتها نقطة التحول تلك التي هي هدف رؤية 2030 التي تسعى وزارة الثقافة وهيئة المسرح والفنون الأدائية إلى تحقيقها، لأن سبق ونوهنا أن المسرح السعودي الآن في مرحلة العلامة الفارقة، وهي ما تفصل بين قبل وبعد تأسيس هيئة المسرح والفنون الأدائية وتأسيس وزارة الثقافة أيضا، وتحول المسرح السعودي من أعمال الهواة إلى كوادر المحترفين في ظل ما قامت به الوزارة والهيئة من هيكلة وابتعاث ولجان وبنى تحتية كاملة، كمشروع وطني يتخذ مكانة ليس وطنيا فحسب وإنما عالميا أيضا، تحت ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين ورؤية سمو ولي العهد - حفظهما الله -، مما يؤكد بالفعل أننا في علامة فارقة فيما قبل وما بعد. ومن هنا جاءت أهمية هذه الدراسات والأبحاث - التي ستجلل بالنشر - لمسيرة وتاريخ المسرح السعودي كما أنها ستعمل على تداخل الأزمنة بين الحقبتين، حيث إن جديد المسرح السعودي سيكون قديمه وحديثه في ضفيرة واحدة لا يمكن فصم عراها، ولا يمكن تجاهل تاريخ تعبَّق بالجهود وبالإبداع الذي أسس لما هو قادم. إن هذا الجهد وهذه الالتقاطة للجامعة أمر يستوجب الشكر عليه، فشكرا لهولاء المهمومين بقضايا الوطن فنه ووعيه وتنويره، وشكرا لكل القائمين على هذه الندوة الخامسة من نوعها برعاية عميد كلية الآداب الأستاذ الدكتور نايف بن ثنيان آل سعود ومنهم المشرف على الكرسي الأستاذ الدكتور صالح معيض الغامدي وكل من مديري الندوات الأستاذ الدكتور معجب العدواني، والأستاذ الدكتور علي دبكل والدكتورة منى المالكي والدكتور عبدالله الرميحي وجميع فريق العمل الشاق في زمن الكورونا. جميعهم كوكبة كبيرة من ثروتنا الثقافية والفنية يحملون الماضي على أكفهم مشكاة منيرة لما هو آت بإذن الله تعالى.