لا تزال بعض البلدان العربية تشهد بين فترة وأخرى عدداً من الكوارث؛ ما يستلزم وضع خطط واستراتيجيات شاملة لدرء أخطارها والتأهب والاستعداد لها؛ ومواجهتها والتخفيف من تداعياتها وأضرارها؛ خاصة تلك المتعلقة بالبيئة والإصحاح البيئي والتغيّرات المناخية. ويأتي الاهتمام بمواجهة أخطار الكوارث؛ في وقت تتعرض فيه عدة دول عربية لأخطار الزلازل والانهيارات الأرضية؛ وندرة المياه؛ وتغير التركيبة السكانية؛ واتجاهات الهجرة؛ والمخاطر الثانوية المرتبطة بالنزوح السكاني؛ وتفشي الأمراض المعدية والموسمية؛ والأخطار المرتبطة بالمناخ مثل الجفاف والعواصف الرملية والسيول والفيضانات وحرائق الغابات؛ فضلاً عن التدهور البيئي والنمو العمراني العشوائي المتسارع وغير المخطط في مناطق خطرة تتعرض للسيول الجارفة؛ وغير ذلك من الكوارث التي تتفاقم خسائرها ولا تقف عند إزهاق الأرواح بل تتعدى ذلك وتؤثر على مستوى المعيشة والاقتصاد بسبب تداعياتها السلبية القاسية على الموارد؛ وما يزيد من خطورة تأثر سكان هذه البلاد بالكوارث عدم توافر أنظمة كافية للإنذار المبكر؛ ووجود أغلبهم على مساحة محدودة وتمركزهم بشكل خاص على طول المناطق الساحلية التي يعيش فيها ما يقرب من 70 %؛ وأكثر من 57 % منهم في المدن الكبيرة؛ فيما ترتفع هذه النسبة في بعض الدول العربية إلى أكثر من 80 في المئة من مجموع السكان أو تزيد؛ كل ذلك يؤثر سلباً في قدرات الدول العربية في الحد من مخاطر الكوارث وإدارتها؛ الأمر الذي يحتّم مضاعفة الجهود في تعزيز القدرة على المجابهة والحد من وقوع الكوارث؛ وأن تضع في اعتبارها أن وتيرة التغير المناخي في المنطقة العربية أسرع مما هي عليه في بقية أنحاء العالم؛ نظراً للتزايد السكاني وزيادة الضغوط البيئية؛ وتدهور المناطق البحرية والساحلية؛ وتغيّر الميزان المائي؛ وندرة المياه التي تعد قضية رئيسة في 19 دولة من 22 دولة عربية؛ فيما يصيب التصحر وتدهور الأراضي 17 دولة في ظل توقعات بتعرضها لمزيد من الخطر؛ خاصة أن 14.5 % فقط من إجمالي مساحة المنطقة العربية صالحة للزراعة؛ في وقت أشارت فيه إحصائيات إلى أن ما بين عامي 1980 و2008 تأثر أكثر من 37 مليون نسمة من جراء الجفاف والزلازل والفيضانات والسيول والعواصف؛ ورغم أن خطر الوفاة من جراء فيضانات السيول على مستوى العالم في تناقص مستمر منذ عام 2000؛ إلا أنه في المنطقة العربية ما زال يتزايد وبوتيرة مخيفة؛ كما أن هذه المنطقة تشهد نشاطاً زلزالياً خطيراً؛ حيث إن الفالق العظيم الممتد من شرق إفريقيا عبوراً ببعض الدول العربية إلى تركيا يضع عدداً من الدول (مثل مصر والأردن ولبنان وفلسطين وسورية) في مواجهة مع خطر الزلازل؛ وفي الوقت ذاته يعرّض بعض دول منطقة المغرب العربي (الجزائر والمغرب وتونس) لخطر النشاط الزلزالي. كل هذه العوامل مجتمعة دفعت الأمانة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر (آركو) شأنها شأن بقية المنظمات العاملة في المجال الإنساني؛ للاهتمام بدرء أي أخطار تواجه الإنسان العربي سواء كانت ناتجة عن الكوارث البيئية أو تلك التي من صنع الإنسان؛ ودعم الجهود الحكومية للتصدي لها؛ وعمل ما من شأنه الحد من أي مخاطر ناجمة عن الكوارث؛ فأطلقت المركز العربي للاستعداد للكوارث في مقرها بالرياض؛ بهدف محاولة رصدها؛ وتوثيق المساعدات التي تقدمها الهيئات والجمعيات الوطنية للهلال الأحمر والصليب الأحمر للمتضررين منها؛ وتنسيق العمل فيما بينها لتعزيز الاستجابة للكوارث؛ وبناء قدراتها؛ ورصد الاحتياجات اللازمة للمتضررين أثناء الكوارث الطبيعية؛ ودراسة نقاط القوة والضعف في كل واحدة منها؛ والتنبؤ بالكوارث الطبيعية قبل حدوثها وإعداد خطة استجابة للمشاركة مع الجمعيات الوطنية؛ والتقليل من أضرارها في حالة حدوثها؛ ومساعدة الجمعيات الوطنية بإنشاء مراكز للاستجابة للكوارث وتقديم برامج للتدريب والتأهيل؛ وربط الجمعيات الوطنية بالمركز للاطلاع المباشر على خططه للتأهب للكوارث؛ وتشكيل فريق إدارة الكوارث من الجمعيات الوطنية وشركاء الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر لتقييم الكوارث في البلدان المتضررة؛ إضافة لوضع البرامج التدريبية في إدارة الكوارث والأزمات لرفع قدرات الجمعيات الوطنية ونقل الخبرات والمهام فيما بينها وبين المركز؛ والعمل على تحقيق التعاون وتوفير الدعم والمساندة لفرق إدارة الكوارث في الجمعيات الوطنية؛ وتفعيل الاتفاقية العربية في مجال (تنظيم وتسيير عمليات الاغاثة)؛ ويستخدم المركز العربي للاستعداد للكوارث في المنظمة تقنيات الإنذار المبكر ونظم المعلومات في التنبؤ بالكوارث والاستعداد لها وتقليل خسائرها من خلال توفير المعلومات عنها واتجاهاتها وخصائصها وأنواعها والآثار التي تتركها؛ وربط المناطق المتضررة منها خصوصاً التي يصعب الوصول إليها براً عند وقوع أي كارثة؛ وتحسين نُظم الإنذار المبكر والتأهب للكوارث؛ كما تستخدم نُظم المعلومات الجغرافية في مواجهة الأخطار الطبيعية وإدارة الأزمات وتوفير خدمة الرصد الرقابي للمتغيّرات المتعددة وكشف الأخطار المناخية. ولعل إطلاق هذا المركز يأتي معززاً لما اتخذته جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية من خطوات نحو وضع استراتيجية للحد من مخاطر الكوارث لتعزيز قدرة الدول والأفراد على مجابهة مخاطر الكوارث الطبيعية. * أمين عام المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر