تظل بعض الدول العربية معرضة للأخطار الجيولوجية مثل الانهيارات الأرضية والزلازل، إضافة للأخطار المرتبطة بالتغيّرات المناخية مثل الجفاف والعواصف الرملية والسيول والفيضانات، وغير ذلك من الكوارث التي يتسبب في حدوثها الإنسان وتنجم عنها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، الأمر الذي يضاعف من مسؤوليات الدول والمنظمات العربية العاملة في المجال الإنساني، ويتطلب منها دورًا فاعلاً لدرء هذه الأخطار من خلال وضع الاستراتيجيات والخطط اللازمة للتنبؤ بالكوارث قبل وقوعها للتخفيف من خسائرها والتمكن من إدارتها بطريقة تضمن التصدي لها والسيطرة عليها سريعاً قبل أن تتفاقم. صحيح أن هناك جهوداً تُبذل وإنجازات تحققت على أرض الواقع في مجال الحد من الكوارث، ولعل أبرز ما تحقق في هذا الشأن الاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث ومخططها التنفيذي، وإطلاق عدد من المنتديات الوطنية، وغير ذلك من الجهود العظيمة التي بذلت ولا يمكن التقليل من شأنها، إلا أنه في الوقت نفسه هناك تحديات تعوقها منها نقص الموارد وضعف أو عدم توافر أنظمة للإنذار المبكر، وعدم توافر قاعدة بيانات محدثة عن هذه المخاطر، وهشاشة البنية التحتية في كثير من الدول العربية، ما يؤدي إلى زيادة حجم الخسائر الناجمة عن الكوارث في الأرواح وسبل المعيشة والأصول والاقتصاد والبيئة، ولا تقف التحديات عند هذا الحد بل هناك التوسع العمراني السريع والتدهور البيئي الناتج عن بعض الممارسات الخاطئة مثل تقلص الغطاء النباتي ومخلفات المواد الاستهلاكية، وتلوث الهواء بانبعاثات المصانع والمحروقات والانهار بمخلفات السكان، وندرة المياه وتغيّر التركيبة السكانية واتجاهات الهجرة، والمخاطر الثانوية المرتبطة بالنزوح السكاني وتفشي الأمراض، وغير ذلك من التحديات التي تلقي بظلالها القاتمة على قدرات الدول العربية في التصدي للكوارث والحد من مخاطرها. وإذا كانت هذه الأخطار محتمل وقوعها - وفق تنبؤات المختصين - فماذا نحن فاعلون لتكون جهودنا للتصدي لها فاعلة ؟ سؤال لا بد أن تكون إجابته عملية من خلال وضع الخطط والاستراتيجيات الشاملة لتعزيز نشر الوعي على جميع المستويات للتحول من ثقافة التعايش مع الخطر إلى الوعي بأهمية تكامل المسؤولية لمواجهته والتصدي له، وهذا يحتّم ضرورة العمل على تعزيز ثقافة السلامة واستنهاض الوعي العام، وإنشاء إطار مؤسسي مناسب كهيئة أو لجنة في كل دولة عربية يتم تكلفيها وتفويضها بالصلاحيات وتزويدها بالموارد المطلوبة لتتمكن من تنفيذ مهامها، وبناء ثقافة السلامة والوقاية، مع إطلاق شراكات وطنية فعالة لبناء قدرات الهيئات والجمعيات الوطنية للهلال الأحمر والصليب الأحمر للقيام بواجبها نحو مواجهة الكوارث ودرء أخطارها، وهو الأمر الذي حتّم على المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر تأسيس المركز العربي للاستعداد للكوارث في الأمانة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر، ويستخدم تقنيات وبرامج نظم الإنذار المبكر لرصد الكوارث قبل وقوعها من أجل إعداد خطة الاستجابة السريعة بالتنسيق مع الهيئات والجمعيات الوطنية، ويواصل العاملون فيه حالياً جهودهم لدرء أخطار أي كارثة طبيعية في أي دولة عربية من خلال التنبؤ بها قبل وقوعها ورفع جاهزية هيئات وجمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر العربية، من خلال بناء قدراتها لتتمكن من وضع الاحتياطات اللازمة في الوقت المناسب للتخفيف من أضرارها والتقليل من خسائرها، وتقديم ما يمكن تقديمه لتخفيف المعاناة الإنسانية. ومن الحلول المهمة في التصدي للكوارث عند وقوعها هو العمل على إدارتها التي تتطلب التخطيط وهو بمثابة ركيزة أساسية لأي إدارة فاعلة للكارثة ويعني التحديد المسبق لما يجب عمله وكيفية القيام به، ومتى ومن الذي سيقوم به من أجل اتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة للحد من الآثار السلبية للأزمة وتحقيق أكبر قدر من النتائج الإيجابية، ومن خلال التخطيط لإدارة الكارثة يمكن التنبؤ بها وتقييم الأخطار والتهديدات الناجمة عنها، وإعادة تقييم الأخطار باستمرار ووضع خطة لمواجهتها، وتحديد الجهات الخارجية التي سيتم الاتصال بها سواء لإبلاغها أو للاستعانة بها، ووضع برنامج زمني لتنفيذ المهام الموضحة في الخطة. كما أن هناك حاجة إلى تطوير أنظمة الإنذار المبكر الوطنية لتحديد وتقييم ومراقبة المخاطر، وتطوير آلية إقليمية تجمع العلماء العرب من أجل مناقشة البرامج المطلوبة لمواجهة المخاطر، واستنهاض همم وموارد القطاع الخاص للاهتمام بتأثير مخاطر الكوارث على أدائه، سواء كان ذلك خاصاً بالأثر البيئي أو غيره، ودعم تنفيذ الدول العربية لإطار عمل الحد من مخاطر الكوارث لما بعد 2015 والاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث ومخرجات المؤتمرات العربية المعنية بهذا الأمر. ولا بد أن يكون العمل العربي قائماً على سياسات واستراتيجيات عامة تهدف إلى تعزيز بناء مجتمعات أكثر أمناً وأكثر قدرة على مجابهة المخاطر، وأن يشمل إطار هذا العمل جميع الدول بدون استثناء مع التركيز على الدول المحتمل تعرضها لكوارث، على أن يكون الحد من هذه المخاطر ضرورة للحفاظ على أرواح وأصول وسبل معيشة المجتمعات، وتتطلب إدارة هذه المخاطر الإشراك الفعال لكافة شرائح المجتمع في تحديد وتنفيذ سياسات الحد من المخاطر، وقبل ذلك لا بد من العمل على تبني منهج شمولي وتكاملي لمواجهة الكوارث من خلال برامج التوعية والتنسيق وتعبئة الموارد مع بناء القدرات اللازمة لتحديد ورصد وتقييم المخاطر. * أمين عام المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر