يقابل متذوق الشعر نماذج لا حصر لها من القصائد الرديئة من الناحية الفنية والتي لا بد أنها تثير لديه شعور الاستياء والندم على إهدار وقته في قراءتها أو الاستماع لها، لكن تقصير الشاعر فنياً أهون بكثير من نظمه لقصيدة سيئة في موضوعها أو في غرضها، وبإمكان كل مهتم بالشعر إعداد قائمة، قد تطول وقد تقصر، بأسوأ القصائد التي قابلته ويرى أهمية تنبيه الشعراء لها أو تحذيرهم من تكرار التجارب السيئة التي تكون على غرارها. ومن أسوأ القصائد التي ينظمها الشاعر القصيدة التي يتعمد فيها الاستهزاء أو السخرية بالمقدسات أو بالقيم الدينية والأخلاقية بغض النظر عن دافعه لذلك، ولا يعني هذا إباحة قراءة قصائد الشاعر بسوء ظن وبأحكام مسبقة تجعلنا نقوّله ما لم يقل، وذلك بتفسير ألفاظه وأبياته بطريقة متعسفة تهدف للإساءة له أو إدانته والتحريض عليه. ومن أسوأ القصائد القصيدة التي يدعو شاعرها الآخرين لارتكاب أي أمر محرّم أو قبيح، حتى وإن جاءت دعوته إلى ذلك الأمر بصورة غير مباشرة كأن يجاهر بفعل ذلك الأمر بقصد تحسينه في نظر المتلقي، ومن الشعراء الشعبيين من أبدى ندمه على نظم قصائد من هذا النوع نشرها بإرادته مدفوعاً بحماس الشباب، أو أنها انتشرت بغير إرادته بعد أن ألقاها في مجلس خاص ولم يتوقع لها أن تُنقل أو تسجل بصوته وتنتشر على نطاق واسع. ومن أسوأ قصائد الشاعر قصائد الغزل الصريح أو الحسي التي تتضمن وصفاً دقيقاً لمفاتن المرأة أو ذِكراً لتفاصيل علاقته معها، ويتضح بسهولة أنها لا تصدر عن عاطفة حب صادق بقدر ما تصدر عن شهوة زائلة، وحتماً سيزداد ندم الشاعر على نظم مثل هذه القصائد مع تقدمه في العمر وإنجاب أبناء وبنات سيخجل أشد الخجل بمجرد تفكيره بأن أحدهم سيطلع عليها. وإذا كانت قصائد الهجاء التي تطفح بكم هائل من الألفاظ البذيئة سيئةً في نظرنا فهناك ما هو أسوأ منها بمراحل وهي قصائد الهجاء التي تتعرض لأعراض الناس، ومدونة الهجاء في شعرنا العربي توضح قدرة الإنسان على ابتكار أساليب «شيطانية» جديدة لإيذاء أخيه الإنسان بأقسى أنواع الإيذاء، كما فعل ابن قيس الرقيات في قصائده التي تُصنف بأنها من «الغزل السياسي» أو «الغزل الهجائي»، وقد تبعه شعراء آخرون كأبي نواس في التشبيب أو الغزل بأمهات وأخوات الخصوم بهدف العبث بهم وإغاظتهم، وتنطوي تلك القصائد على قذف للمحصنات باختلاق قصص يصور فيها الشاعر إقامة علاقة غير شرعية مع إحدى قريبات المهجو. قائمة النماذج السيئة في الشعر قد تمتد إلى ما لا نهاية، لكن ضيق المساحة فرض اختيار خمسة نماذج لا بُد أن أختم قائمتي بآخرها وأكثرها شيوعاً في الشعر الشعبي هذه الأيام. فمن أسوأ القصائد القصيدة التي يستعين فيها الشاعر لطلب حاجته من الممدوح بلغة تعلو فيها نبرة الاستجداء والتذلل، وتخفت فيها نبرة المدح والإبداع.