إن التطور هو حركة إلى الأمام ولا يمكن الحكم بأن حركة ما إلى الأمام أو إلى الوراء إلا إذا كنا نعرف تمامًا ما الأمام وما الوراء لابد من غاية أو هدف حتى يتضح ما إذا كانت الحركة تقترب من هذه الغاية أو تبتعد. في المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية عام 1922م وقف طان ملاكا أحد الأعضاء البارزين في الحزب الشيوعي الإندونيسي مفندًا كلام لينين مؤسس الحزب الشيوعي السوفيتي حين وصف الإسلام بالرجعية. فعندما نستعيد التاريخ نحاول أن نغير زاوية النظر إلى التاريخ سواء أكان تاريخًا شرقيًا أم غربيًا لنستعيد صورتنا التاريخية الحقيقية. ففي المؤتمرات الإسلامية التي عقدت في آسيا الوسطى ما بين 1919م - 1920م حاول أعضاء تلك المؤتمرات تقربًا من الثورة البلشفية تكييف الأيديولوجيا الماركسية مع الإسلام إلا أن تلك المحاولات نظر إليها بأنها خارج إطار العصر. ما هي فكرة العصر؟ فالإنسان في كل عصر يعتبر عصره عصرًا جديدًا ظانًا بأن العصور السالفة عصور بائدة أو رجعة إلى زمن قديم. هذا الظن الخاطئ وقع فيه الإنسان في كل عصر وإذا طرأ على الإنسان فرق في أساليبه ومناهجه واكتشافاته فإنما هو فرق في التقنية والأسلوب وليس في الإنسان. ولذلك فإن التصور المادي ترك آثاره على العصر فالاعتقاد بأن الدين والفكر مرتبط بالعصر وأنه تؤثر فيهما عوامل الزمان والمكان تصور تاريخي خاطئ يجعل من الدين لصيق الصلة بالظروف والعصر. فوصف الفكر الديني القديم بالظرفية والمناداة بتطويره وإعادة النظر فيه وتأويل تعاليمه وإيجاد المواءمة بينه وبين العصر نظرية فكرية فلسفية منشؤها الفلسفة وعلم الاجتماع الثقافي والديني وقد كان لكل من عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر والفيلسوف الإنجليزي هوبس دور في إشاعتها في محاولة لفك عرى الارتباط ما بين الدين والعصر الحديث وذلك لتهميش الحضور الديني في العالم إلى أضيق نطاق ممكن تحت مسمى التطور. ما هو التطور؟ فالتطور على حد وصف سعيد بسطامي في رسالته العلمية مفهوم تجديد الدين بأن الكلمة في معناها الواسع تعني تغيرًا متواصلًا من حالة أولية إلى حالة متقدمة وهذا المعنى يتضمن أن هناك تحولًا دائمًا يحدث وأن هذا التحول يحدث نحو الأحسن ومن هذا يمكن أن يقال أن التطور هو التغيير نحو الأفضل أو أنه التحول نحو الأصلح. والمدهش هنا أنك مهما عرفت التطور بأي ألفاظ متقاربة فإن الذي يبدو واضحًا أن كلمة التطور لا تحمل معنى ذاتيًا مستقلًا أو بعبارة أخرى أن كلمة التطور كلمة فارغة المحتوى إلا إذا أضيفت إلى غيرها ذلك أن التغير نحو الأحسن أو التحول نحو الأفضل يقتضي أن يكون واضحًا ما الأحسن وما الأفضل. إن التطور هو حركة إلى الأمام ولا يمكن الحكم بأن حركة ما إلى الأمام أو إلى الوراء إلا إذا كنا نعرف تمامًا ما الأمام وما الوراء لابد من غاية أو هدف حتى يتضح ما إذا كانت الحركة تقترب من هذه الغاية أو تبتعد. لهذا نجد من السهل الحكم بأنه قد حدث تطور في التقنية ذلك أن غاية التقنية أمر واضح وهو تحسين وسائل الحياة بمعايير محددة ومن الممكن أن نتبين ما إذا كانت وسيلة ما أحسن من غيرها أم لا. أما في حياة الإنسان الاجتماعية فمن الذي يحدد ما الأحسن وما الأفضل؟ من الذي يحدد ما الأمام وما الوراء؟ إن وظيفة الدين الأولى أن يعطي الإنسان تصورًا واضحًا لما هو الأحسن وما هو الأصلح وأن يحدد له بدقة الغايات الصحيحة والأهداف القويمة التي ينبغي أن يتجه لها بسعيه وحركته. ولهذا فقد كانت كلمة صائبة تلك التي انتقد بها المفكر الألماني هرش الحركة التجديدية في اليهودية حين قال: [إن الدين في نظرهم صحيح ما دام لا يتعارض مع التطور، وفي نظرنا التطور صحيح ما دام لا يتعارض مع الدين]. لقد نشأت فكرة التطور حين كانت فكرة تطور المجتمع البشري فكرة مسيطرة على الأذهان ولكن ربما لا يوجد اليوم من بين المشتغلين بالعلوم الاجتماعية من يؤمن بنظرية تطور المجتمع البشري في خط واحد.