الإسلام قبل كل شيء عقيدة واضحة والمبادئ الأخلاقية الإسلامية عملية ومن الواضح أنها تلائم بصورة حسنة حقائق الوجود اليومية، فالإسلام في نسخته السنية التي تشمل 90 بالمئة من المسلمين ديمقراطي ويقول بالمساواة ويخلو من مراتب رجال الدين.. يرقب الغرب الإسلام بعيون كثيرة، ولدوافع وبواعث متعددة، فهناك المصالح الغربية الحيوية مع العالم الإسلامي، وهناك غيرها، ولذلك فالغرب يرصد العالم الإسلامي بدقة، ويتابع ويراقب كل حركة ويستشرف ويستنتج ويحلل ويتنبأ. فهل رصد الغرب ظاهرة التجديد في العالم الإسلامي وهل أدرك أنها تخدم مصالحه أو أنها عقبة تقف في طريقه. سوف نحاول التصدي لهذا السؤال على ثلاثة مستويات: التبشير والاستشراق والإعلام. محاولين أن نحلل أطروحة هاري دورمان خطة التبشير يتوقع دورمان أنه في ظرف سنوات قليلة سوف تفلح جهود المبشرين في تجديد الإسلام وتطويره، أكثر من نجاحهم في تطوير عقلية المسلمين وتغييرها داعياً المبشرين إلى تطوير علاقاتهم مع حركات التجديد الإسلامي، متى ما كان الظرف مواتياً ومناسباً. وكان مؤتمر المبشرين العالمي تبنى مناقشة موضوع الإسلام الجديد في جلساته العلمية دافعاً حركات الإصلاح الدينية الجديدة إلى الأمام وبالذات حَركة سيد أحمد خان في الهند، والتي تقرب المسلمين من تعاليم أوروبا. وكانت حركة سيد خان تبنت منهجاً متكاملاً في العقائد الإسلامية، اهتمت به أقسام الدراسات الإسلامية المعاصرة في الغرب، يقوم على تجديد الإسلام بما يلائم الحالة الغربية وكان سيد خان من أوائل المفكرين الذين صرحوا بأرائهم حول مسألة تجديد الإسلام، أما بقية مفكري العصرانية فقد قصروا أنفسهم على مجال التشريع وسكتوا عن الخوض في مجال العقائد. أما الاستشراق فإنه ينظر إلى حركات التجديد الإسلامي بنفس نظرة المبشرين، ويعقد على هذه الحركات آمالاً كبيرة لتطوير الإسلام، ولا يقف الاستشراق عند حد الآمال والأماني بل إنه ابتدع وسائله الخاصة لدفع المسلمين في هذا الاتجاه. فكتاب المستشرق جب الاتجاهات الحديثة في الإسلام يبحث في موضوع التجديد في الإسلام، ولقد سبقه في التوجه كتاب ويلفريد كانتول سميث الإسلام المعاصر في الهند والذي نشر في عام 1943م، ويأتي كتاب جب متمماً ومكملاً لأفكار كتاب سميث، يقوم الكتاب على التحليل واستخلاص النتائج، أكثر من السرد التاريخي، والكتاب عبارة عن ست محاضرات ألقاها المؤلف في جامعة شيكاجو في عام 1946م ضمن برنامج محاضرات عن الأديان المقارنة وما يهمنا من كتاب جب رؤيته وتحليلاته للحركة العصرانية في الإسلام. المؤلف في كتابه يستشرف مستقبل الإسلام ويرصد استنتاجاته، ومدى ملاءمتها للحالة الإسلامية محاولاً أن يقرأ الإسلام بالصورة التي قرأ بها المسيحية فبعد أن رصد التطورات التي مرت بها المسيحية في القرن التاسع عشر والعوامل التي أدت إلى ظهور الحركة العصرانية في الغرب ينتظر حدوث ذلك في الحالة الإسلامية: معتقداً أن الأوضاع التقليدية في الإسلام بوجه عام مشابهة للأوضاع في الدين المسيحي في القرن الثامن عشر في أوروبا، ومعتقداً أيضاً أن انتشار التعليم العلماني في المائة سنة الأخيرة في البلاد الإسلامية، عرض الفئات المثقفة من المسلمين لنفس التأثيرات التي دفعت الى ظهور الفكر الديني الغربي الحديث. ويرى انه إذا كانت نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج فيجب علينا أن نتوقع حدوث تطور مماثل في الفكر الديني الإسلامي. ولكن هل تحققت استشرافات المستشرق جب؟ يحاول جب أن يرصد حركة التجديد العصراني التي حدثت في الهند، على يد سيد أحمد خان ونتائج الحركة ويرى أنها كانت حركة غير فاعلة ولا تقارب قوة الإسلام المحافظ وتأثيره وأنها كانت تتشكل في مجموعات المثقفين بالثقافة الغربية وأنها لا تشكل تياراً منتظماً وفاعلاً. ويواصل جب تحليلاته وقراءته لواقع العصرنة قائلاً: بما أن حركة التجديد الإسلامي تقوم على الحريات الواسعة فإنه يمكن البحث في المصادر، الإسلامية عن تشريع لتلك الحريات واستخدام الفكر الحديث في تفسيرها، دون الاهتمام بآراء الفقهاء والعلماء الأوائل، إلا أنه لا يجد ذلك إلا في الهند وتركيا إلى حد ما مجددون شرعوا في إعادة النظر في أسس الشريعة كلية. ويرى أن اتجاهات التفكير في الهند ذهبت إلى أبعد مما يشاهد في الشرق الأدنى، وأن من أسباب ذلك أن التعليم على النمط الأوروبي دخل الهند قبل أن يعرفه الشرق الأدنى، كما أن وضع الهند المستقل والحرية التي ينعم بها المسلمون، تجعلهم يعبرون عن آرائهم بمنأى عن سلطة دينية. وإن كنت أرى أن المؤلف إما إنه عاجز عن التصرف بما لديه من أفكار أو أنه يرغب في بلوغ نتيجة مرسومة سلفاً ولم يصل إلى تلك النتيجة. أما عن نظرية الإعلام الغربي فقد نشرت مجلة اليكونوميست البريطانية في يناير 1981م مقالاً للكاتب جون فري جانس بعنوان المسلمون والعالم المعاصر، يعالج المقال قضية الصراع بين الإسلام والغرب ويتساءل الكاتب هل هناك فرصة للملاءمة بينهما. جون فري أمضى خمساً وعشرين عاماً في الشرق الأوسط، فهو خبير بشؤونه، ولأهمية المقال الذي يبين وجهة نظر الإعلام الغربي فيما يجري في عالمنا الإسلامي المعاصر ومرئياته عن محاولات التجديد التي تسعى للتوافق مع الغرب نقتبس هنا بعضاً من فقراته: يبدأ المقال بتأكيد الصراع بين الغرب والإسلام فيقول: في الوقت الحاضر يواجه ويتحدى الإسلام والعالم الغربي أحدهما الآخر ولا تطرح أية ديانة كبرى أخرى مثل هذا التحدي للغرب، والسبب في ذلك أن الإسلام واجه الغرب كراً وفراً طيلة ال 1500 سنة والفترة الحالية هي فترة كر وكان الصراع السياسي متواصلاً طيلة المئة وثمانين سنة الماضية على الأقل ومن الناحية الروحية فقد تحدى النظامان أحدهما الآخر طيلة قرن تقريباً، أما من الناحية الاقتصادية فقد استمر هذا التحدي. وهناك أسباب عديدة تحتم أن يواجه العالمان الإسلامي والغربي بعضهما البعض.. فهل هناك أية إمكانية لتفاهم متبادل بل ولاتفاق حقيقي بين العالمين؟ كان الغرب يتساءل لماذا لا يتقبل المسلمون روح العصر؟ ويرى المفكرون الغربيون تجديد الإسلام وربطه بحاجات العصر الراهن، ولذلك فإن أكثر الغربيين جدية يتساءلون ببساطة لماذا لا يستطيع المسلمون أن يكونوا مثلنا؟ وبسبب الثقة الجديدة بالنفس عند المسلمين أصبح التساؤل الأول هو: هل على الإسلام التكيف مع العصر الحديث، ثم إذا كانت الإجابة بالإيجاب يأتي التساؤل بعد ذلك حول كيف وإلى أي مدى يتم هذا التكيف. فإذا كانت وجهة النظر الإسلامية ترى أن الإسلام يتفق مع الروح والعرف السائدين في هذا العصر ولكن في حياة الإنسان من الذي يحدد الأحسن والأفضل والتطور والتقدم إن وظيفة الدين الأولى أن يعطي الإنسان تصوراً واضحاً لما هو الأحسن وما هو الأصلح وأن يحدد له بدقة الغايات الصحيحة والأهداف القويمة التي ينبغي أن يتجه لها بسعيه وحركته، ولذلك فإن تلك الكلمة القديمة الجديدة التطور يكون صحيحاً ما دام لا يتعارض مع الدين هي الكلمة الصواب. فالإسلام قبل كل شيء عقيدة واضحة والمبادئ الأخلاقية الإسلامية عملية ومن الواضح أنها تلائم بصورة حسنة حقائق الوجود اليومية، فالإسلام في نسخته السنية التي تشمل 90 بالمئة من المسلمين ديمقراطي ويقول بالمساواة ويخلو من مراتب رجال الدين، ولأن للإسلام هذه الصفات المعاصرة كونه واضحاً وعالمياً ودون طقوس وكهنوت وادعاء للعصمة ويقول بالمساواة، فإنه يتفق مع روح العصر.