يخوض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رهاناً صعباً في بيروت الثلاثاء في إطار مساعيه للضغط على الطبقة السياسية بهدف تشكيل "حكومة بمهمة محددة" سريعاً وإجراء إصلاحات، مبدياً استعداده لتنظيم مؤتمر دعم جديد للبنان قريباً. وينطلق ماكرون الذي يزور بيروت للمرة الثانية خلال أقل من شهر، من أنّ مساعيه تعدّ "الفرصة الأخيرة" لإنقاذ النظام السياسي والاقتصادي المتداعي في لبنان. وكانت القوى السياسية استبقت وصوله بتكليف مصطفى أديب تشكيل حكومة جديدة، على أمل أن تهدئ غضب اللبنانيين الذين فاقم انفجار المرفأ المروع نقمتهم على السلطات. ويحفل برنامج عمل ماكرون الطويل الثلاثاء بلقاءات سياسية مهمة أبرزها مع رئيس الجمهورية ميشال عون وممثلي القوى السياسية الرئيسية وأخرى ذات طابع رمزي، مع إحياء لبنان المئوية الأولى على تأسيسه، بدأها بغرس شجرة أرز في محمية جاج شمال بيروت. واستبق ماكرون نقاشاته مع القادة السياسيين بالقول "موقفي هو دائماً ذاته: المطالبة من دون التدخّل"، بعدما كرّر دعوة المسؤولين الى تشكيل "حكومة بمهمة محددة في أسرع وقت". وردا على سؤال حول تكليف أديب، الأكاديمي والدبلوماسي، قال ماكرون الثلاثاء "يجب منحه كل وسائل النجاح"، بعدما كان أكد في وقت سابق أنه "لا يعود لي أن أوافق عليه أو أن أبارك اختياره". وكان أديب (48 عاماً) سفير لبنان في برلين قبل تسميته، وهو شخصية غير معروفة من اللبنانيين حتى لحظة اختياره رئيسا للحكومة بناء على توافق بين القوى السياسية الكبرى، أبرزها تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري وحزب الله وعون. ويسعى ماكرون الذي يعلم أن رهانه في لبنان "محفوف بالمخاطر" إلى إنجاز مهمته والحصول على نتائج سريعة للحفاظ على مصداقيته أمام المجتمع الدولي، بإصراره على إجراء "إصلاحات أساسية" للحدّ من الفساد المستشري في قطاعات عدة أبرزها الكهرباء والمرفأ والحسابات المالية. ويشترط المجتمع الدولي على لبنان إجراء هذه الإصلاحات لتقديم الدعم المالي له. وخلال حوار مع ممثلين عن المجتمع المدني والأممالمتحدة على متن حاملة المروحيات "تونّير" في مرفأ بيروت، قال ماكرون "نحن بحاجة إلى التركيز خلال الأشهر الستة المقبلة على حالة الطوارئ وأن نستمر في حشد المجتمع الدولي". وأضاف "أنا مستعد لننظم مجدداً، ربما بين منتصف ونهاية تشرين الأول/أكتوبر مؤتمر دعم دولي مع الأممالمتحدة". * "الفرصة الأخيرة" - ويلتقي ماكرون ظهراً نظيره اللبناني الى مائدة غداء. ويكتسب لقاؤه مساء مع ممثلي تسعة من القوى السياسية البارزة بينها حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز المدعومة من إيران، أهمية كبرى. ويدافع ماكرون عن استراتيجيته هذه برغبته ب"التحدّث الى جميع الأطراف" وبينها حزب الله، "القوة السياسية الممثلة في البرلمان"، بموازاة تأكيده أنه "لا يوافق" على جزء من "المشروع" السياسي للحزب الذي تعتبره واشنطن منظمة "إرهابية" وتتهمه بعرقلة الإصلاحات. وفي تصريحات لموقع "بوليتيكو" الأميركي على الطائرة التي أقلته إلى بيروت، قال ماكرون "لا تطلبوا من فرنسا أن تشن حرباً على قوة سياسية لبنانية"، معتبراً أن ذلك "سيكون عبثياً ومجنوناً". وعقد ماكرون لقاء مع القوى السياسية خلال زيارته الأولى لبيروت في السادس من أغسطس بعد يومين من انفجار المرفأ. ويعتبر ماكرون أن مساعيه في لبنان هي "الفرصة الأخيرة لهذا النظام". وقال "أضع الشيء الوحيد الذي أملكه على الطاولة وهو رأسمالي السياسي"، وفق "بوليتيكو". ولا يعني تكليف أديب أن تشكيل الحكومة سيكون سهلاً. إذ غالبا ما تستغرق هذه المهمة أسابيع عدّة أو حتى شهورا في لبنان. ولا يُعلم ما إذا كان وضع لبنان تحت المجهر الفرنسي وتداعيات الانهيار الاقتصادي الذي فاقمه الانفجار، قد يسرّع مساعي التأليف. وجاء في تعليق لصحيفة "الأخبار" المقربة من حزب الله الثلاثاء "بإرادة فرنسية مباشرة، يجري تأليف الحكومة وإعداد بيانها الوزاري". وأضافت "من حيث أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير قبل مئة عام بالتمام، ستولد الحكومة، حكومة قصر الصنوبر". وفي خطوة ذات توقيت لافت، وقّع وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني الثلاثاء مع ثلاث شركات أجنبية، عقوداً تتعلق ب"التدقيق الجنائي والمالي" في الحسابات المالية للدولة اللبنانية، وهو ما طالب به ماكرون مراراً. ومن المفترض، بحسب مسؤولين لبنانيين، أن ينسحب التدقيق لاحقاً على مؤسسات رسمية أخرى، تنفيذاً لمطلب صندوق النقد الدولي. لن أتخلى عنكم وبدأ ماكرون نشاطه الثلاثاء من محمية أرز جاج حيث زرع لمناسبة الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير، شجرة أرز. ورافقه 12 تلميذاً من كورال مدرسة الكرمل. وحلّق سرب جوي فرنسي في المكان ناثرا ألوان العلم اللبناني في الأجواء. ومن جاج في قضاء جبيل، انتقل ماكرون على متن مروحية إلى مرفأ بيروت لتفقد عمليات إفراغ أكثر من 2500 طن من المساعدات العاجلة التي أرسلتها بلاده ومنظمات على متن باخرتين. وكان ماكرون استهل زيارته الإثنين بزيارة الفنانة فيروز التي تعد رمزاً لوحدة اللبنانيين في منزلها قرب بيروت حيث كان عشرات اللبنانيين في انتظاره خارج المنزل، ورددوا هتافات عدة بينها شعارات رافضة لتسمية أديب، كون التكليف جاء بتوافق بين القوى السياسية التقليدية التي يرفضونها ويطالبون برحيلها منذ الخريف الماضي. وردّ عليهم ماكرون بالقول "أعدكم أنني لن أتخلى عنكم أبداً". وأضاف "أتعهّد لكم.. ببذل قصارى جهدي لضمان تنفيذ الإصلاحات ولتعافي لبنان". ونشرت حسابات فيروز على مواقع التواصل الاجتماعي الثلاثاء صوراً للقاء ظهرت فيها مبتسمة مع ماكرون الذي قلدها وسام جوقة الشرف، أرفع وسام فرنسي.