مع تدشين رؤية 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتكون خارطة طريق تنموية تشمل مختلف الجوانب التي تهم المواطن والوطن، ولعل من الجوانب المهمة في هذه الرؤية هي تفعيل دور القطاع الثالث أو القطاع غير الربحي من خلال رفع مستوى تحمل المواطن المسؤولية وبناء ثقافة العمل التطوعي، ورفع نسبة المتطوعين من 11 ألفا إلى مليون متطوع قبل نهاية العام 2030.. هذا القطاع له أهمية عظيمة من ناحية اجتماعية واقتصادية وله القدرة على إحداث الأثر والتغيير وفق ما خطط له في تفاصيل الرؤية ليكون رافداً ومسانداً للقطاع الحكومي والخاص. ولمعرفة أهمية هذا القطاع سأورد النموذج الأميركي كأبرز دولة في استثمار وتفعيل دور القطاع غير الربحي. بحسب مجلة ستانفورد لريادة الأعمال الاجتماعية التي تصدر من جامعة ستنافورد العريقة، يوجد حول العالم عشرة ملايين منظمة غير ربحية، مليون وثلاث مئة ألف منها في أميركا. وبحسب المصدر نفسه، يشكل القطاع غير الربحي في أميركا نحو 5-10 % من دخل الاقتصاد الأميركي و10 % من قطاع التوظيف في أميركا. وبحسب مركز جون هوبكنز لدراسات المجتمع المدني، يشغل القطاع غير الربحي في أميركا ما يقارب 11.9 مليون شخص ما يعني أن 1 من أصل 10 ليكون ثالث أكبر قطاع توظيفي في أميركا بعد قطاع الصناعة والتجزئة، ولعل الملفت في واقع القطاع غير الربحي بأميركا هو قدرته على تفعيل موارده المالية من خلال بيع المنتجات والسلع والخدمات لتشكل 48 % من دخل القطاع، إضافة لمصادر أخرى تنوعت بين الدعم الحكومي والتبرعات الخيرية، وبحسب معهد أوربان وفق إحصائية تمت في العام 2016 فقد ساهمت قيمة التطوع بنحو 187.4 مليار دولار. أما واقع القطاع غير الربحي في المملكة فقد أصدرت مؤسسة الملك خالد الخيرية العام 2018 تقريرا إحصائيا رائعا يتناول واقع القطاع من عدة جوانب، بلغ عدد المنظمات غير الربحية في السعودية 2598 تنوعت بين مؤسسات وجمعيات وجامعات ومستشفيات غير ربحية، لكن هذا العدد يحتاج للمزيد إذا توجد منظمة واحدة لكل 10 آلاف من سكان المملكة. وبحسب التقرير فهناك انخفاض في عدد الأنشطة الخدمية كالتعليم (0.6 %) والصحة (3.2 %) ما يعني حاجة ملحة للتوجه لهذين النشاطين، وعلى صعيد التوظيف، بلغ عدد الموظفين في القطاع غير الربحي 47.038 عاملا وعاملة بمعدل مرتب 5.323 ريالا. وتتراوح مساهمة القطاع في اقتصاد المملكة العام 2016 بين 3 و4.5 مليارات ريال. وبحسب التقرير فإن على القطاع أن ينمو سنويا بنسبة بين 31 % و39 % لتحقيق أهداف رؤية 2030. والنموذج الأميركي هنا يعطينا دلالة كبيرة على أهمية هذا القطاع ويفتح الآفاق على مقدرته وإسهامه ليكون مصدراً من مصادر الدخل التنموي والاقتصادي، بالإضافة إلى مساهمته الكبرى في تقليص معدل البطالة. لذا فإن تفعيل حوكمة هذا القطاع وسن التنظيمات والتشريعات لهذا القطاع الحيوي سيكون له مردود تنموي واقتصادي ويدفع عجلة تنميته بشكل أسرع، لكننا نوصي هنا أن يكون هناك تنوير معرفي وعلمي بهذا القطاع قبل كل الخطوات الأخرى، ومن الجيد ذكره في هذا السياق وجود توجه علمي وبحثي للقطاع غير الربحي مما يعطي دلالة على تقدم الاهتمام بهذا المجال في المملكة - فمثلاً - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تعقد مؤتمرا سنويا تتناول فيه موضوعا من موضوعات القطاع وتستضيف الخبراء حول العالم ليشاركوا معرفتهم في هذا المجال، لكن الجامعات وغيرها من المؤسسات التعليمية والتنموية ما زالت مطالبة بمزيد من الدعم والاهتمام بهذا القطاع لتسهم في التطوير من ناحية علمية ومعرفية، كما أن تنويع مجالات المنظمات غير الربحية أمر مهم بما يلبي احتياجات المختلفة بعيدا عن استنساخ المجالات، ويكتمل الأمر بأن تضع المنظمات استراتيجية استدامتها لتضمن بذلك نجاح الهدف الذي أنشئت من أجله، ومن الجدير ذكره أيضاً أن توفر إحصائيات شاملة ومفصلة لواقع القطاع تصدر بانتظام يساعد في نمو القطاع وتجويده وتحسينه. ختاماً واقع القطاع غير الربحي في السعودية يبشر بالخير في ظل زيادة الاهتمام بتجويد طبيعة عمله وتنويع نشاطه وطبيعة الخدمات التي يقدمها، وما موافقة خادم الحرمين الشريفين على نظام العمل التطوعي، إلا أحد أبرز المؤشرات الرائعة التي تنتظر هذا القطاع الواعد.