ليس المهم إطالة الأعمار، بل الأهم هو التمتع بالصحة واستمرار العمل والعطاء حتى سنّ متأخرة، ولدينا مفهوم خاطئ عن التقاعد في سنّ الستين وأنه سنّ توقف العطاء والركون إلى الراحة والخمول، والعالم المتقدم اليوم يتجه لتأهيل المتقاعدين للمزيد من الأعمال التي يتقنونها، والاستفادة من التجارب التي مروا بها ننشغل بأحداث كثيرة سياسية اقتصادية وحروب وقلاقل ليس لنا القدرة على التأثير فيها أو تعديل مساراتها، وأحياناً كثيرة نضيع أوقاتنا في مناكفات ورسائل مكررة لا طائل منها، وفي الوقت نفسه ننسى أموراً تهمنا وتؤثر فينا ولدينا القدرة على تعديلها وتحسينها أو تجنبها، ومن ذلك ما له علاقة بالصحة والتمتع بها رغم تقدم السن، وقد قطع العالم أشواطاً طويلة في أبحاث إطالة العمر ونجح في ذلك، فلم يكن معدل عمر الإنسان يزيد على 30 سنة حتى بداية القرن الثامن عشر، ثم استمر في الزيادة حتى وصل إلى سنّ الخامسة والسبعين وحتى الثمانين في نهاية القرن العشرين. كما يوجد ثورة علمية وأبحاث مستمرة على الهندسة الجينية والاستنساخ الحيوي وتقنيات إعادة توليد الأنسجة لإطالة العمر إلى ما بعد المئة، لكن كل ذلك لا يقارن بما هو قادم، فالعلم لا حدود لفتوحاته واكتشافاته إلا ما نضعه لأنفسنا. ويؤدي علم الأغذية دوراً عظيماً في ثورة الصحة وإطالة العمر، وفي تقرير لجريدة (وول ستريت جورنال) ذكرت أن الدراسات والتجارب أظهرت أن إنقاص السعرات الحرارية في طعام بعض الحيوانات نتج عنه زيادة مثيرة في فترة حياتها. وربما هذا هو ما يفسر وجود معمرين في جزيرة أوكيناوا اليابانية، حيث يعيش المعمرون الذين يزيد عددهم عن نظرائهم في أي جزء من العالم ويتمتعون بمتوسط أعمار هو الأعلى في العالم وهو 85 عاماً، والأهم هو أنهم يتمتعون بصحة جيدة في هذه السن، وتقل لديهم نسبة الإصابة بأمراض القلب خمسة أضعافه عن الغرب، وكذلك معدل الإصابة بالسرطان ومعدل انخفاض مستوى الكولسترول هو الأقل في العالم، وقد وجد أن السر في طول العمر والصحة لديهم هو النظام الغذائي وأسلوب الحياة النشط، وعلى سبيل المثال تقل عدد السعرات الحرارية من خلال الغذاء الذي يتناولونه بنسبة 30 % عما يتناوله الغرب، ويركزون فيه على الفواكه والخضروات والأسماك، وكميات أقل من اللحوم وملح الطعام، كما يوجد برنامج رياضي مستمر ومعتدل مع التركيز على التأمل وتمارين الاستطالة والتنفس العميق، ووجود شبكة اجتماعية لها فوائد كثيرة على الصحة البدنية والنفسية. والمملكة تتمتع بميزة وجود أكثر من 65 % تحت الثلاثين، لكن ذلك لن يستمر مع زيادة متوسط الأعمار ونقص نسبة النمو السكاني، وهذا هو ما يدعونا إلى التركيز على النقاط الآتية: أولاً. لدينا مفهوم خاطئ عن التوكل لا بد من تصحيحه لنأخذ بالأسباب بدل أن نحيله إلى تواكل يسبب الكسل والخمول واللا مبالاة، فمن يعتقد أن الله قد حدد له سنه ويوم وفاته بصرف النظر عما يعمل لن يتحمس كثيراً للممارسات الصحية، ولن يتجنب العادات المضرة وداء السمنة. وكثير من حوادث الطرق سببها الإهمال وعدم الأخذ بالأسباب، وقد يكون التواكل من أسباب فقر المسلمين على مستوى العالم مقارنة بغيرهم من الديانات الأخرى كما هو في الهند على سبيل المثال. ثانياً. ليس المهم إطالة الأعمار، بل الأهم هو التمتع بالصحة واستمرار العمل والعطاء حتى سنّ متأخرة، ولدينا مفهوم خاطئ عن التقاعد في سنّ الستين وأنه سنّ توقف العطاء والركون إلى الراحة والخمول، والعالم المتقدم اليوم يتجه لتأهيل المتقاعدين للمزيد من الأعمال التي يتقنونها، والاستفادة من التجارب التي مروا بها، مع ضرورة مواصلة تأهيلهم على برامج التقنية وما يستجد من أعمال، وقد قيل: «العمل يهب الصحة» فالمخ كأي عضلة في الجسم بحاجة إلى الاستخدام وإلا ضعفت وأصابها الوهن، وهو ما نراه من أمراض الشيخوخة التي يجب أن نكافحها بالعمل والمرح، والغذاء المتوازن والحياة الاجتماعية النشطة، وقد قيل: «نحن لا نتوقف عن اللعب لأننا شخنا، ولكن شخنا لأننا توقفنا عن اللعب». ثالثاً. التعليم يجب أن يركز على التعلم مدى الحياة وأن يضع في مناهجه ما يناسب مختلف الأعمار وخصوصاً في الجامعات، فقد يحتاج من تجاوز العقد السادس أو السابع تعلم مهارة جديدة وخصوصاً مع التعلم عن بعد والفصول الافتراضية. المجتمع الحيوي المنتج هو الذي يستفيد من كل أفراده وفي مختلف الأعمار، فالخبرة والتجربة لا تقدر بثمن، والعمل التطوعي من أكثر الأعمال فائدة للمجتمع ولمن يمارسها من كبار السن. لكل مرحلة محاسنها، وأكثرها وضوحاً مرحلة الشباب، لكن مع تقدم العمر تتسع نظرتنا إلى الحياة، مما يجب معه أن نتصالح مع الوقت، وأن نوظف تجاربنا للمزيد من العمل والنشاط البدني والفكري الذي يبقينا منتجين ومؤثرين ومستمتعين بأوقاتنا، محافظين على الصحة حتى اليوم الأخير.