مهما طال عمر الإنسان وسلم من عوادي الليل والنهار فسيموت بلا شك من مشكلة في الجهاز الدوري الدموي (يشمل القلب والشرايين في جميع أنحاء الجسم) لذلك كان السبب الأول لوفيات البشر في العالم هو أمراض القلب والأوعية الدموية... والقلب كباقي الأعضاء في جسم الإنسان يهرم ويشيخ.... فهو ساعة الحياة التي تعطي إشارة الحياة وتبدأ بالنبض من يوم 22 بعد تلقيح البويضة.... قبل تنفس الجنين للسائل الأمنيوسي وقبل عمل الدماغ وقبل حركة الأطراف... وهو كذلك من يعطي إشارة الموت بتوقف النبض ولذلك فهو أطول أعضاء الإنسان عمرا !! شيخوخة القلب هرم القلب وشيخوخته تشمل جميع أنسجة القلب من شرايين وعضلة وصمامات وألياف النبض الكهربائي.. وأهم وأخطر هذه التغيرات هي تكلس شرايين القلب ويدخل في تلك التغيرات ضمنا تكلس الشرايين الأخرى وهناك طريقة حديثة نسبيا لتصوير شرايين القلب وقياس درجة تكلس تلك الشرايين ونستطيع التعرف على احتمالية الإصابة بجلطات القلب المستقبلية بإذن الله بدقة عالية جدا خلال العشر سنوات القادمة وهي ليست الخيار الوحيد لمعرفة احتمالية الإصابة بجلطات القلب في المستقبل ولا أريد أن يفهم القارئ أن مقياس درجة تكلس شرايين القلب أفضل من تصوير القلب النووي وقسطرة الشرايين على الإطلاق ولكنها وسائل تشخيصية مكملة لبعضها البعض ولكل منها نقاط قوة ونقاط ضعف في حالات طبية مختلفة... وبسبب تلك التكلسات الشديدة تجد أحيانا أن من أكثر أنواع القسطرة تحديا هي قسطرة من هم فوق الثمانين سنة وبالذات النساء؛ لأنه يكثر في هؤلاء المرضى انسداد الشرايين وتعرجها وكثرة ترسب الكلسترول داخلها وبالتالي تزداد أيضا احتمالية المضاعفات مثل جلطات الدماغ خلال القسطرة بسبب تحريك ترسبات الكلسترول في الأورطي خلال تحريك أنابيب القسطرة... أما من ناحية الصمامات: فتبدأ بالتكلس الطرفي لوريقات الصمامات مثل الأورطي والمترالي وتزداد سرعة تلك الترسبات بوجود السكري والتدخين وارتفاع الكلسترول وذلك يسبب إما تضيقا يزداد تدريجيا أو ارتجاعاً يزداد تدريجيا أو كلاهما.... ومن ناحية المنظم الكهربائي: فهو يصبح أقل انتظاما كما أن توصيلاته داخل القلب تتليف وتصبح أقل توصيلا ويكثر في ذلك الوقت في كبار السن الرجفان الأذيني... وبسبب هرم المنظم الكهربائي تقل السرعة القصوى للقلب كلما تقدم العمر وكمية الدم الذي يضخه القلب في الدقيقة. بسبب يزداد الضغط الشرياني كلما هرم ابن آدم. من ناحية عضلة القلب فهي تصبح أقل مرونة ولا تنبسط بسهولة وذلك التغير يؤدي إلى ارتفاع الضغط التدريجي كلما كبر الإنسان في السن بسبب مقاومة الشرايين وتكلسها وبسبب قلة مرونة العضلة، ولذلك فإن فشل القلب بعد سن 65 سنة أكثر بسبعين ضعفا ممن هم في سن 25 سنة. ولذلك لو ذهب أحدنا إلى أي طوارئ مستشفى لوجد أن حوالي 40 % من المرضى المدخلين (المنومين) في ذلك المستشفى هم مرضى القلب والغالبية العظمى هم مرضى فشل القلب وثمانون بالمئة من هؤلاء عمره فوق الخامسة والستين سنة.... وضعف عضلة القلب الانبساطي بسبب السن هو أكثر أنواع فشل القلب انتشارا وكذلك اصعبها علاجا لأنه من التغيرات الحتمية لكبر السن بالطبع يمكن ازالة السوائل وتحسين ضيقة التنفس ولكن لا يمكن إيقاف تلك العملية... ولذلك تلاحظ أن كبير السن تقل قدرته على الحركة -حتى ولو أراد- بسبب التغيرات الفسيولوجية في عضلة القلب وهذا يؤدي إلى ضمور العضلات الطرفية؛ حيث تزيد من عدم قدرته على التحرك ويدخل المريض في دائرة مغلقة تنتهي بإقعاده نهائيا. العمر مسألة نسبية تكلس شرايين القلب هي مسألة مستمرة وغير قابلة للتوقف أو التراجع ولكنها قابلة لعاملين مهمين.. أولهما زيادة سرعة التكلس، وبالتالي شيخوخة الشرايين بعوامل معينه مثل السمنة والتدخين والكلسترول والضغط والعامل الوراثي لذلك تجد عوائل تتوارث طول العمر فتجد أن كثيرا منهم يصل التسعين والمئة سنة ويتعداها وصحته مقبولة نسبيا وتجد عوائل يتوفى أفرادها في أعمار مبكرة وقد رأيت عائلة يتوفى أفرادها في سن الأربعين بسبب شيخوخة القلب، وكانوا مصابين بمرض وراثي نادر يسمى الشيخوخة المبكرة (بروجيريا).. وثانيهما: إن هناك طرقا تبطئ تكلس الشرايين وشيخوختها وأشهرها الحمية وأدوية الكلسترول فهي تبطئ ولا تمنع التكلس نهائيا.... فقد أثبتت التجارب الطبية أن الحمية قليلة السعرات الحرارية تطيل أعمار المخلوقات التي أجريت عليها تلك التجارب ووجد أن السبب كان في تبطؤ عملية شيخوخة شرايين القلب وتراكم الدهون داخلها... ولذلك فمريض السمنة المفرطة يعاني من ضيق التنفس ويدخل في تلك الحلقة المفرغة التي تكلمنا عنها سابقا حتى يقعد نهائيا.. فعمر القلب نسبي فتجد أن هناك شبابا أسرفوا في حياتهم من كل شيء وبلا حدود فتجدونهم يحملون قلوبا تماثل قلوب أشخاص في الستينات من عمرهم وفي المقابل تجد رجلا محافظا على نفسه يصل السبعين والثمانين من عمره وشرايين قلبه تماثل شابا في الثلاثين... بمعنى أنه من الممكن أن يحافظ الإنسان على شبابه ليستمتع بشيخوخته (وخذ من شبابك لهرمك).. وأخيرا قد يقول قائل عن ماذا تتحدث يا دكتور فالحياة والموت بيد الله ولا يستطيع أحد منا أن يقدم يومه ولا يؤخره!! وهذا كلام صحيح ولا غبار عليه ولكن بكل تأكيد نحن منهيون عن (التواكل) ومأمورون ب(التوكل) اعقلها وتوكل فيستطيع كل منا أن يحسن نوعية حياة قلبه بالابتعاد عن التدخين والسمنة والاهتمام بالرياضة والتحكم بضغطه والكلسترول والسكري... ويستمتع بحياة خالية من الأمراض قدر المستطاع. أدام الله عليكم لباس الصحة والعافية. للتواصل مع مشرف الصفحة:عبدالرحمن محمد المنصور[email protected]