نفتتح بقائمة مبسطة من الإحصائيات السنوية: 57 مليون إنسان يموتون سنوياً، 8 ملايين من التلوث، 7200000 من استهلاك الكحول، 3 ملايين من سوء التغذية، 3 ملايين من السمنة، نصف مليون من المياه غير الصالحة للشرب. وتمتد القائمة، وإننا وبمقارنة هذه الأعداد المرعبة بأعداد الموتى بسبب الكورونا نستفز للتساؤل: "ما الذي دهى البشرية لتصاب بالذعر وتوقف عجلة الحياة وتدمر الاقتصاد بسبب هذا الفيروس الذي لا يُقارن في فتكه بفتك العوامل الأخرى التي لم تلفت نظر أحد كل هذه السنوات ولا تزال تفتك بالبشرية؟ أهو نداء من الطبيعة للتعجيل بالدمار وفناء هذا العامل الفاتك: الإنسان؟ وقد تتبادر للذهن إجابة الاختصاصيين على هذا السؤال أن تلك الأسباب المألوفة من الجوع والمخدرات وغيرها تفتك بالبشر بصمت وعلى امتداد العام، بحيث لا تلفت الأنظار، رويداً رويداً تنهش جسد البشرية بحيث لا تثير وقفة حاسمة من البشر والدول ضدها، بينما الكورونا حطت كالصاعقة وفي فترة لا تتجاوز الشهرين أو الثلاثة متلذذة بقضمة جبارة من البشر بحيث أحرجت المؤسسات الصحية الدولية بما في ذلك مؤسسات الدول المتقدمة والمفترض كونها تتمتع بأنظمة صحية لاتُقْهَر، هجمة فضحت هشاشة تلك المؤسسات وعجزها عن توفير الأكسجين لرئة الأرض التي انطبقت فجأة وتحت وطأة هذا الفيروس الضئيل، والذي تذهب بعض النظريات للاعتقاد بكونه لا يزيد على وهم، هناك من يعتقد ويصرح أن الأرقام التي تنشرها وسائل الإعلام عن أعداد المصابين بالإضافة لمشاهد الاختناق والمستشفيات المشيدة على عجل وبحجرات إنعاش إضافية ما هي إلا وهم يهدف لصعقنا بالفزع ودفعنا لاستهلاك المزيد من الأقنعة وسوائل التعقيم وفيما بعد باللقاحات مما سيصب في الحسابات البنكية للذين قاموا بفبركة هذا الوهم الغول. ولسنا بصدد التحزب مع فريق المعتقدين بالوهم أو المؤمنين بحقيقة الكورونا، لكن المدهش هذه القدرة البشرية على التخيل، وعلى إطلاق العنان للخيال وحشد المؤيدين لذلك السرح وراء الخيال. والأكثر دهشة هذه الشبكة العنكبوتية التي تسمح لكل الأصوات بالوجود مهما تطرفت، لكأننا في عصر اللغط، لغط الصورة ولغط الكلام، ولكأنما لم يعد الكلام من فضة والصمت من ذهب، لم يعد للكلام من وزن من معدن كالفضة، لكأنما صار الكلام من هواء، يهب خفيفاً ويتلاشى، يمنحنا نفحة منعشة حيناً وحارقة حيناً أو لا يمنح، رجعت ملكية الكلام للجميع، وسقطت عن الكلام أوشحته التي تسمه بالكلام العاقل أو الفارغ أو المنطقي أو المتهور، كل الكلام مقبول وله جمهور قد يحطم الأرقام القياسية في المعجبين وإن كان مغرقاً في التفاهة أو حتى البذاءة. تحرر الكلام من أساطينه ومقولبيه، وصار يسرح ويمرح في وسائل التواصل مثل كائن بري لا رادع له ولا وازع.. وبعد كل ذلك هل بوسعنا التصفيق أو الشجب؟ الكل سواء، فالكلام سيتمادى في المرح والسرح وقول اللاشيء.. وأحياناً في اللاشيء تنبت الأشياء.. لنأمل.