في أواخر العقد الماضي تم تقديم مشروع قانون «اللعب المالي النظيف» في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا»، وهو مشروع يهدف لضبط أسواق الانتقالات، والحد من الارتفاع الجنوني لأسعار اللاعبين والذي انعكس على الأداء المالي لكثير من الأندية التي تحملت مديونيات ضخمة. فكرة القانون تبدو سهلة للغاية، لكنها تخفي بداخلها الكثير من التفاصيل، يقول القانون ببساطة: «لا تنفق أموالاً أكثر من إيراداتك وإلا فالعقوبات جاهزة». كان ظهور القانون لأول مرة في العام 2009 لكن التطبيق بدأ في موسم 2011 وكان التطبيق حينها تدريجياً لمنح الأندية بعض الوقت لإصلاح الاختلالات واستعادة التوازن المالي، إذ كان لا بد من تشكيل ضغط على الأندية، خصوصاً تلك التي استخدمت أموال مالكيها الجدد لتتوسع بتعاقداتها وتدفع أرقاماً غير مسبوقة. الأمثلة كثيرة، وظهور القوة المالية لنادٍ بشكل مفاجئ بدأ مع بداية القرن الجديد في حالة تشيلسي الإنجليزي ثم تبعته أندية أخرى مثل باريس سان جيرمان الفرنسي ومانشستر سيتي وغيرها. تم تطبيق القانون لأول مرة في موسم 2011 وكان مطلوباً من الأندية أن تقدم قوائمها المالية بشكل سنوي، وألا تزيد الخسائر في الموسم الأول على 45 مليون يورو على ألا تزيد الخسائر في الموسم الثاني - أي موسم 2012 - على 30 مليون يورو وفي الموسم الثالث - أي موسم 2013 - لا تزيد على 15 مليون يورو، وفي الموسم الذي يليه تكون الخسائر صفراً. منح القانون المجال لمالكي الأندية بالمساهمة في تقليص الخسائر ليتم الامتثال للقانون، وفي حال ارتكاب المخالفات ولم يتم الامتثال للقانون يتم تطبيق العقوبات على الأندية وهو ما حدث بالفعل لعدد من الأندية، إذ تمت معاقبة كثير من الأندية بالإنذارات والغرامات والحرمان من الحوافز المالية والإيرادات، وصولاً إلى المنع من التعاقدات والاستبعاد من المشاركة في البطولات الأوروبية، وسحب الألقاب. لطالما كان سن القوانين أقل صعوبة من تطبيقها، ولأن القوانين لا تحقق الأهداف التي وضعت من أجله إلا حين تطبيقها وحين تكون سبباً في منع المخالفات المستهدفة، فإن الاتحاد الأوروبي «يويفا» بدأ بتطبيق هذا القانون المثير للجدل، ووقع ضحيته العديد من الفرق الأوروبية الكبيرة والمغمورة، وكان باريس سان جيرمان الفرنسي ومانشتستر سيتي الإنجليزي أبرز الضحايا في موسم 2013 إذ دفعوا غرامات مالية وحرموا من مميزات مالية كبيرة بجانب عقوبات إدارية مع غالطة سراي التركية، قبل أن يلحق بهم إنترميلان وروما الإيطاليان في الموسم التالي وتستمر بعدها العقوبات حتى تعرض مانشستر سيتي هذا الموسم لعقوبات كبيرة تمثلت بالحرمان من المشاركة في البطولات الأوروبية لموسمين، قبل أن ينقضها قرار محكمة التحكيم الرياضي «كاس» قبل أيام بعد معركة قانونية معقدة. وجود هذا القانون شكل عامل ردع للأندية الأوروبية ونجح في السيطرة بشكل كبير على ارتفاع أعداد التعاقدات وقيمتها، وفي حالة مانشستر سيتي الذي نجح بإبطال قرار الحرمان، سيفكر مسيرو النادي قبل أي خطوة مستقبلية من شأنها إقحام النادي في صراع قانوني مثل الصراع الأخيرة. محلياً، في أواخر أبريل من العام 2018 أصدر الاتحاد السعودي لكرة القدم عدداً من القرارات، أبرزها «إلزام الأندية بأن تراعي في ميزانياتها السنوية ألا يزيد إجمال مصروفاتها إجمالي دخلها، مع شرط ألا يتجاوز البند المقرر لأجور المدربين واللاعبين وانتقالاتهم 70 بالمائة من إجمال دخل فريق كرة القدم الثابت، على أن تصرف نسبة ال30 بالمائة من المتبقية على الجوانب التطويرية والإدارية والتشغيلية والاستثمارية والمصروفات الأخرى» وبحسب البيان فإن القرار كان مقرراً له أن يُعتمد في الموسم الحالي 2019 - 2020. كان مقرراً أن يكون هذا الموسم هو الأول الذي يشهد تطبيق هذا القرار، وكان مقرراً أن الموسم قد انتهى لولا جائحة «كوفيد - 19» العالمية التي تسببت بتأجيل اختتامه، ولا يبدو أن لهذا القرار قيمة تتجاوز تكلفة الحبر الذي كُتب به. لا أعلم كيف يصدر اتحاد الكرة قراراً مثل هذا كان يمكن أن يشكل انطلاقة نحو مرحلة أكثر ضبطاً للتنظيم المالي ويساعد في تهيئة الفرق والأندية بشكل عام على رفع مستوى الجاهزية لعملية التخصيص، ويسهل عملية الحوكمة داخل الأندية، من خلال وضوح الإيرادات والمصروفات وتحديد الميزانيات التقديرية والفعلية. لكن هذا لم يحدث للأسف، وظل القرار حبراً على ورق، وربما يقول البعض إن الدعم الحكومي رفع مستوى الإيرادات وجعل من الصعب جداً تحديد الإيرادات والمصرفات، وهم أمر غير صحيح ذلك أن وزارة الرياضة كانت واضحة حينما ظهر الأمير عبدالعزيز بن تركي العام الماضي وقبل انطلاقة موسم 2019 وقدم تفصيلاً للدعم الحكومي. أصبح لزاماً تفعيل مثل هذا القانون والاستفادة منه في الكرة السعودية للحد من الصفقات غير المفيدة فنيا ومالياً، ولإضفاء الأهمية على كل التعاقدات من حيث جودة اللاعبين، والتركيز على الكيف لا الكم. سيكون لغياب التنظيم لسوق الانتقالات ووضع الضوابط للأندية أثراً سلبياً تدفع ثمنه الأندية لاحقاً، فالدعم الحكومي الكبير لا يجب أن يكون أداة تستغلها الأندية لعقد صفقات غير مجدية، إذ لا بد من تعزيز كفاءة الإنفاق داخل الأندية من خلال فرض مثل هذا القانون. من المهم أن تدرك الأندية ومن قبلها وزارة الرياضة أن الدولة وإن كانت تقدم الدعم الكبير للأندية على الرغم من التقلبات الاقتصادية وحدوث تغييرات في الإنفاق الحكومي بفعل الظروف الاقتصادية العالمية، إلا أنه لا بد من تعزيز الرقابة على مصروفات الأندية، ومنع الدخول في نفق المديونيات المظلم على غرار النفق الذي كان مهدداً لمعظم الأندية السعودية قبل أن يتدخل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ويتصدى لهذا الملف الضخم بوقفة تاريخية. إن دخول الأندية السعودية نفق الديون وتضخم المصرفات مرة أخرى سيشكل تحدياً كبيراً وسيكون معاكساً لتطلعات القيادة بتقوية القطاع الرياضة كافة، ومنتج كرة القدم على وجه الخصوص. سيدفع تطبيق قانون مشابه لمثل قانون اللعب المالي النظيف، سيدفع الأندية للتحرك بصورة غير تقليدية نحو تعزيز إيراداتها وتفعيل الاستثمار الرياضي بشكل فعال وحقيقي الأمر الذي سيعطيها مرونة أكبر في أسواق الانتقالات مما يعزز قوة المنافسة بين الأندية داخل الملعب وخارجه. صفقة العويس كانت الأضخم سالم يجدد علاقته مع الهلال برقم مالي كبير