فضّل الله البشر على كافة مخلوقاته بأن منحهم نعمة العقل، وهي نعمة عظيمة تمكنهم من استخلاص الاستنتاجات الصحيحة في الحكم على الأشياء بتمحيص وموضوعية علمية، وهذا ما يُسمَّى في علم التربية بالتفكير الناقد، فقد شجّعت الدراسات التربوية على ممارسة التفكير الناقد، بأن يمارس المتعلم مهارات قوّة الملاحظة والفهم والتحليل والاستنباط؛ ولكن مع الأسف، فإن مجتمعاتنا العربية لا تولي أهمية كبيرة لثقافة التفكير الناقد، ولا تحبِّذها، ومازلنا غير قادرين على الانتقال بالتعليم من طريقة «التلقين» التي تعتمد على الحفظ واسترجاع المعلومات إلى الطرق الحديثة التي تهتم بالبحث والاستقصاء وممارسة مهارات التفكير؛ لذا من المهم إدخال التفكير النقدي والتحليلي في التعليم، وهنا قد يتساءل البعض: كيف يمكن لنا أن نطبق ذلك لمزيد من المعرفة وتطوير المهارات للطلاب؟، والحقيقة أن هناك عدة طرق يمكن من خلالها أن نجعل الطلاب قادرين على ممارسة مهارات التفكير الناقد. أقول: هناك حاجة ماسة إلى تنمية مهارات التفكير النقدي لدى طلابنا في المواد الدراسية ولمختلف الأعمار، كي تتحول عملية اكتساب المعرفة من عملية خاملة إلى نشاط عقلي يؤدي إلى إتقان أفضل للمحتوى المعرفي وفهم أعمق له، فالتفكير النقدي هو أساس التفكير الإبداعي واتخاذ القرارات الصحيحة من خلال دراسة كافة البدائل واختيار الأفضل منها، كما أنه يساعد الطلاب على مواجهة التغيرات المتلاحقة، والتوصُّل إلى استنتاجات قائمة على الأدلة، ومن خلال التفكير النقدي يتعلم الطالب كيف يسأل ومتى يسأل وكيف يستدل، فمن المغري أن نتخيل أن المفكرين الناقدين الجيدين يسألون أسئلة معقدة ومدروسة عندما يحاولون حل مشكلة. يمكن أن يؤدي تعلم مهارات التفكير النقدي أيضًا إلى تحسين الأداء الأكاديمي؛ فمثلًا تساعدنا على الأداء بشكل أفضل في اختبارات الاستدلال الرياضي، والفن البصري، ومهارات الاتصال، وقد شاهدنا اليوم أنّ القدرة على التفكير المنطقي المستقل هو واحد من أهم معايير النجاح في الكليات العريقة؛ لأنه يجعل الطلاب أكثر انفتاحًا واطلاعًا، كما أنه يمكنهم من إنتاج مقالات وأبحاث خالية من التحيز الشخصي أو المجتمعي، وإلى تطوير قدراتهم في التقييم وحل المشكلات وإصدار الأحكام المبنية على أساسٍ علميٍّ صحيح. وفي الختام، نحن بحاجة ماسة إلى تطوير منهجية التعليم الحالي، والتي منها التفكير النقدي من خلال تصحيح طرق التعليم في المدارس والجامعات. * باحث في علوم وهندسة المواد