يوسف سمرين، كاتب مقدسي ينشر في الفلسفة ونظرية المعرفة، ويتعرض بالنقد لأبرز الإصدارات الفكرية المثيرة للجدل في الساحة، تنوعت كتاباته في الثقافي والسياسي والمعرفي، وتعددت التيارات والشخصيات التي واجهها، سواء كان ذلك عبر مقالاته أم إصداراته البحثية، صدر له أخيراً كتاب «نظرية ابن تيمية في المعرفة والوجود»، وأجرت معه «الرياض» هذا الحوار:* معظم إصداراتك تنبني على اعتراضات وتعقّبات، هكذا يرى خصومك أنك تقوّض ولا تؤصل؟ * النقد يحمل في طياته تأسيسًا، كما يقال: وبضدها تتميز الأشياء، لا معنى لقول أهل الحديث هذا حديث صحيح لو لم يكن عندهم منهجية نقدية يعرفون بها الضعيف، وهكذا يتحرك العلم، لم يكن للكيمياء أن تخرج دون نقد الخيمياء، ولا لعلم الفلك أن يكون دون نقد التنجيم، والنقد المنهجي والمعرفي فرع عن معارف عدة، مثلاً: إذا قال عالم: "هذا حديث لا يوجد في دواوين الإسلام"؛ فهذا يتطلب أن يكون قد طالع تلك الدواوين وتمكن من معارف عدة حتى يقدر على إصدار مثل هذا النقد. ولو سألنا عن عدد المؤلفين مقارنة بالنقّاد فسيكون الجواب في مصلحة النقد، فوجود الناقد يرفع من مستوى الباحثين والكتاب، فهم لا يأمنون الرقابة النقدية، أما إن عدمت الثقافة النقدية سيكتب من شاء ما شاء، ولا يمكن التهوين من شأن الإنتاج المعرفي لسلوكه الجانب النقدي، فكتاب "الرسالة" للشافعي مثَلاً هو كتاب نقدي، فقد نقد المقالات التي قالت بالاستحسان، وهوّنت شأن خبر الواحد، وبنى على هذا منهجًا أصوليًا يعرف دارسوه قدره، وفي تاريخ الفلسفة كان لكتب إمانويل كانط التي يبرز في عناوينها تصدير كلمة نقد، دورها الفعّال في الحركة الفلسفية، ولو نظرنا في التراث الإسلامي نجد أن الصفدي كان قد اعترض على ابن تيمية في أنه لم يكن قد تصدّر لشرح صحيح البخاري ونحو هذا، وكانت معظم كتاباته نقدية، والصواب كان مع ابن تيمية، حيث إن المخزون المعرفي الذي تحويه كتاباته النقدية لم يكن لكتب الشروح التي كانت في زمانه أن تسدّ مسدّه. * انتقدتَ سفر الحوالي بشدة في كتابه "المسلمون والحضارة الغربية"، فانقلب عليك التيار السروري، وجزء من تيار السلفية العلمية، هل يمكن لك أن تحدد لنا أبرز مفاصل هذا الانتقاد؟ * شأن النقاد أن يهتموا بما يدخل المجال الثقافي، ويقدّموا ما عندهم للجمهور، والكتاب المذكور كتب بطريقة غير محرَّرة، وغلب على صاحبه الاندفاع العاطفي على حساب التدقيق البحثي، وعندما انتشر ذكر الكتاب تعرضت له بالنقد فوراً في عدد من محتوياته، التي كان كثير منها غير صحيح ومكرراً، وتتعارض الأطروحات فيه؛ وهذا أظهر أنه كُتب في مُددٍ زمنية مختلفة، دون إعادة النظر فيه وتحريره، وقد حوى إطلاقات فقهية دون مراعاة قيودها، وفيه حديث ارتجالي في شأن التاريخ والفلسفة، وخطابة تحمل هوى سياسياً، لا تحليلًا سياسيًا، وتصادم الوقائع وتتجاهلها. * من السروريين إلى الإخوانيين الصريحين والمتطرفين، أثرت حفيظة هؤلاء الأخيرين بشدة في كتابك: "ماذا قيل يوماً في أفغانستان"، لماذا؟ * هذا الكتاب جاء في سياق عام، حيث إن كثيراً من الناس لمّا هالهم حجم الكوارث التي سبّبتها تيارات تنتسب إلى أئمة التراث كابن تيمية والبخاري وغيرهما، سارعوا إلى تصديق تلك الدعاية، وظنوا أنهم بمهاجمتهم التراث الإسلامي سيحولون دون النماذج التي رفضوها. كانوا في الواقع يرددون دعاية مَن يرفضونهم، ويؤكدون أنهم بحق يمثلون تراث الأئمة، ولا ينطلق البحث بصورته العلمية من السلف إلى الحاضر في تسليم مسبق لوجود تلك الرابطة مع السلف، الكتاب يقول: فليبدأ البحث من اللحظة التاريخية المهمة التي جرت فيها بلورة كثير من الأفكار الأيديولوجية، وكانت الساحة الأفغانية نموذجية لتلك الدراسة، وبحق كان يجري تأويل تراث ابن تيمية والبخاري وغيرهما لمصلحة مقالات محددة نشأت في بيئات معينة من القرن العشرين مثل أفكار سيد قطب، وعلى ضوء أفكار سيد قطب تم تأويل تراثنا. كتابي هذا يكشف التاريخ البديل الذي حاولت شخصيات كثيرة اشتركت في الساحة الأفغانية تزييفه وتحريفه، ولذا لم يعجب كثيراً من أنصار شخصيات معينة، كعبد الله عزام على سبيل المثال، فهم كانوا يقولون مثلًا إنهم لم يكن لهم مشروع خاص في أفغانستان، والكتاب يبيّن زيف ادعائهم، ويثبت خلاف قولهم. كتب الحركيين ارتجالية.. ومشحونة ب«الهوى السياسي» * قبل بضعة أيام خرج كتابك (نظرية ابن تيمية في المعرفة والوجود) ووُصف بأنه كتاب يناصر المادية على حساب الواقعية الإيمانية، ويتتبع زلات مجموعة كبيرة من المؤلفين في نظرية المعرفة، ما الجديد في هذا الكتاب غير ما ذُكر؟ * بدايةً لا بد من التنبيه على أن النهي عن تتبع زلات العلماء السابقين إنما يعني النهي عن الأخذ بالرخصة من الفتاوى الشاذة، أي من أخطاء العلماء، وليس تصويبهم، فالتصويب للعلماء منهج كان ولا يزال حيّاً بين المسلمين، بل هو يندرج تحت إطار النهي عن المنكر، والعلم لا يعرف المجاملة في هذا، ولذا لا يصح أن يعيب أحدٌ على أينشتاين مثلًا الخروج عن نيوتن، ونحو ذلك. الكتاب جاء ليبيّن منهجًا غاب طويلًا في الدراسات عن ابن تيمية، وهو: منهجه العقلي في المعرفة والوجود، وكان هذا العالم سباقًا إلى كثير من الأطروحات الفلسفية، ويبيّن مركزيّة ابن تيمية لتحقيق الصلة بين المعاصرة والأصالة، وأن الطرح الفلسفي لابن تيمية كان ماديًا، أو "شيئيًا"، ينطلق من الأشياء إلى الفكر لا العكس، أما ما سمي "الواقعية المؤمنة"، أو "الإلهية" فهي منطلقة من أسس بعيدة عن ابن تيمية، من محمد حسين الطباطبائي ومحمد باقر الصدر، وهو منهج يخالفه ابن تيمية، ولكن بعض الدراسات وقعت في أسر تأثير كتاب "فلسفتنا" للصدر وما دار في فلَكه من كتب؛ وهذا أثر في إنتاجها وتصويرها لابن تيمية، الذي يُعد مفكراً أصيلاً على عقيدة أهل الحديث، أما الواقعية الإلهية أو المؤمنة فهي إعادة صياغة مقررات أرسطية مستعينة ببعض مقالات كانط، وتتسع لمنهج المعتزلة، لا لطريقة أهل الحديث في كتب البخاري والدارمي وأحمد، والطبري وغيرهم، وتخالف منهج ابن تيمية في الموضوع، الذي انطلق من بيان أن الصحيح من الفلسفة لا يعارض الوحي، وقد جاء كتابي المذكور خدمة لتراثه في هذا الجانب. محمد باقر الصدر يوسف سمرين كتاب فلسفتنا لمحمد باقر الصدر