أتت رؤية 2030 في وطننا الغالي مجاراة للنسق العالمي المتسارع حيث الحوكمة الفاعلة بالفصل بين كل من اتخاذ القرار وتنفيذه ومراقبة التنفيذ مما يحد من الهدر والمالي والإداري، وعملية اتخاذ القرار هنا يجب أن تتم وفق دراسة موضوعية يشترك فيها كل من له شأن بهذا القرار، كما يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن المصالح الشخصية، ثم بعد ذلك يجب أن ينفّذ ذلك القرار المدروس وفق آلية تراعى فيها المصلحة العامة بحيث يراقب الأداء ويراجع ثم يعاد تقويمه. ومما لا شك فيه أن عمل كلٍ في تخصصه هو الخطوة الأولى للرقي على سلم الحضارة والتقدم، ولكن عند إمعان النظر في القطاعين العام والخاص نجد أنه يوجد من عمله بعيداً كل البعد عما تخصص فيه، ولا شك أن وطننا الغالي يبذل الغالي والنفيس في سبيل الرقي بمعارفنا ومهاراتنا من خلال تلك المؤسسات العلمية والتدريبية الضخمة التي تقوم بتدريب وتأهيل الكوادر بصفة مجانية. قبل بضعة أشهر تشرفت بلقاء أحد زملائي القدامى من المرحلة الجامعية والذي أصبح معلماً، ولم أكن التقيت به منذ أكثر من عقد من الزمان، فخلال سنوات دراسته الجامعية بزغ نجمه بتمتعه بمهارات حاسوبية وصفات قيادية فذة، توج ذلك كله بحصوله على الماجستير في الإدارة التربوية من إحدى الجامعات الوطنية، ولكن عند سؤالي له عما يقوم به داخل المدرسة؟ أجابني بأنه مدرس ولا يرغب في إدارة ولا إشراف! تفكرت حينئذ بما تقوم به جامعاتنا من تخريج لمتخصصين من المتوقع أن يعملوا بما علموا وأن يرفعوا من شأن مدارسهم وإداراتهم ووطنهم ككل، إن صاحبي هذا لهو مثال واحد من آلاف الخريجين ممن لا يعمل بتخصصه وإنما يعود لعمله ليمارس وظيفته السابقة وكأن تلك الشهادة إنما هي إشعار لزيادة الهدر الوطني من تعليم ومنشآت وكهرباء وماء ورواتب. لا أدعو في هذه المقالة لإيقاف تلك البرامج الجامعية النوعية، بل أدعو للتوسع في ذلك ولكن بعد التنسيق مع الجهات الأخرى المستفيدة بتوجيه خريجي الجامعات لما يناسب تخصصاتهم بربط موافقة تلك الجهات على الدراسة بالعودة للعمل بما يناسب التخصص فقط، وربط ذلك كله بمركز المعلومات الوطني.