أجبرت جائحة كوفيد-19 العالم كله على ترك كل ما هو مألوف والتوجه نحو تبني أساليب مغايرة تمامًا لما هو معتاد خلال فترة زمنية قصيرة. وقد يبدو أن كل ما يتعلق بهذه الجائحة هو أمر سلبي ويدعو للتشاؤم، إلا أنه ما زال هناك النصف الممتلئ من الكوب، حيث نجم من توابع فيروس كورونا عدد من النتائج الإيجابية، مثل: زيادة معدل نمو التجارة الإلكترونية. فبعد فرض حالة إغلاق كلي أو جزئي على أكثر من 100 دولة، ووضع قيود على الحياة اليومية، وغلق معظم المتاجر بشكل تام، قام المستهلكون بالإحجام عن التسوق فعليًا، والتحول نحو الإنترنت لقضاء حوائجهم، مما أجبر العديد من الشركات والمؤسسات على إيجاد طرق للتأقلم بسرعة مع الوضع الجديد، ورفع مستوى استعدادها لإعادة تقييم طريقة قيامهم بالأعمال التجارية، وإجراء تغييرات دائمة، بينما شهد التجار التقليديون، الذين لا يمتلكون قاعدة إلكترونية، تعثرًا في سير عملياتهم. فقد قامت تلك العلامات التجارية بإعادة هيكلة عروض منتجاتها لمواكبة هذه المتطلبات المستحدثة، وذلك عن طريق التحول رقميًا إلى البيع عبر الإنترنت، أو البحث عن نموذج مباشر إلى المستهلك (D2C)، أو العمل بطريقة مبتكرة لنقل التجربة برمتها إلى المنزل. وأشار استطلاع رأي 2020 Global Web Index – المعني بمجال الأبحاث الهادفة إلى فهم آراء مستخدمي الإنترنت – أن 51% من المستهلكين يعتبرون أن حصولهم على توصيل مجاني، ومعتمد هو أكثر أهمية الآن، من أيّ وقت مضى. مما يدل على الأهمية التتي تتمتع بها اللوجستيات في تلك المعادلة. ولم تتغير وسائل الطلب فحسب، بل وحتى الأنماط الإستهلاكية، فقد تسببت القيود الإقتصادية والتحولات الإجتماعية في قيام العديد من المستهلكين بإعادة تقييم أولوياتهم. لفت إنتباهي مؤخرًا، نتائج دراسة عالمية أظهرت أن كوفيد-19 قد تسبب في تغيير عادات التسوق لثمانية من كل عشرة مستهلكين في كلٍ من المملكة المتحدة والولايات المتحدةالأمريكية، ولأكثر من 90% من المستهلكين في الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية. وهذا يُفسر النمو الحاد الذي شهدته المنطقة في حجم التجارة الإلكترونية والتي تجاوزت 246% في الكويت، وبلغت 176% في السعودية، و166% في عمان. وصاحب هذا النمو في منطقة الشرق الأوسط ، تراجع الكماليات أمام السلع الأخرى التي شهدت انتعاشًا خلال فترة الحجر المنزلي، مثل: منتجات التنظيف، والرعاية الذاتية، وملابس اللياقة البدنية، والمعدات المكتبية، والمواد الغذائية. وتمثل سلاسل التوريد العالمية، والنقل، والخدمات اللوجستية التحدي الأكبر للتجارة الإلكترونية، نظرًا لعمل الموانئ والمصانع والمطارات بأقل من طاقتها التشغيلية، أو غلقها مؤقتًا. ولحسن الحظ، ساهم تواصل دول مجلس التعاون الخليجي في التخفيف من حدة هذه التأثيرات، ويتمثل ذلك في سعى كلٍ من البحرين والسعودية للحفاظ على استمرار نقل البضائع التجارية والشحنات الأساسية بينهما، رغم توقف حركة السفر، والركاب. ومع استقرار الأوضاع الراهنة بشكل ما، وإعادة فتح المطارات والحدود بشكل تدريجي، سيتعين علينا أن نأخذ بعين الإعتبار التحول الحاصل في مشهد B2C ، والموجة الجديدة من المستخدمين، مع التركيز بشكل أكبر على استثماراتنا ضمن اطار التوجهات المستقبلية. نحن بحاجة لإعادة هندسة عملياتنا، والنظر في مدى قدراتنا، لنتمكن من تقديم أفضل الخدمات، مع عدم الإخلال بنظام التوصيل السريع والسلس الذي نشتهر به. وبلا شك، ستتمحور مساعينا حول تبني الرقمنة، وزيادة عدد الرحلات، وتخصيص السعة الإضافية، وتسهيل إمكانية الوصول إلى وكلاء خدمة العملاء، علاوة على خلق طرق مبتكرة تُعنى بتوصيل الميل الأخير. وبحسب المعطيات الحالية، يبدو أن آثار جائحة كوفيد-19 ستستمر على المدى البعيد، وقد لا تعود الأوضاع أبدًا إلى ما كانت عليه سابقًا. إلا أن الوضع الطبيعي الجديد يبدو مثيرًا للإهتمام، كونه تمكن من قلب كافة الموازين، وخلق سيناريوهات لم تكن لتخطر على البال قبل بضعة أشهر. هذا الوضع حافل بالمفاجآت التي ستترك العديد من الشركات في تساؤل عن مصير علامتها التجارية منذ الآن فصاعدًا. *الرئيس التنفيذي لشركة "دي إتش ال" إكسبرس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا