نوهت دراسة سعودية إلى أنه قد تعجز غالب النساء عن إثبات صحة دعواها في سوء خلق زوجها، أو ظلمه لها، سواء بضرب مبرح، أو تقصير في نفقة، أو تعاطي لبعض المحرمات، أو معاشرة الأجنبيات، وغير ذلك من موجبات فسخ النكاح بدون بعث حَكَمين، ونتيجة لذلك تخضع في محاكم المملكة لجملة من الإجراءات أهمها إلزام بعض القضاة لها بإعادة المهر حتى بعد دخول الزوج بها ومعاشرته لها، رغم أن الفقهاء قد أجمعوا على استقرار المهر بالدخول والخلوة، وهذا يقين لا يصار عنه إلا بيقين مثله. أحقية الزوجة وأشار بحث علمي قضائي أعده الباحث الشيخ الدكتور مساعد الشريدي القاضي بمحكمة الرياض سابقاً، وأستاذ القانون المشارك بجامعة شقراء حالياً، إلى أن فقهاء الشريعة قد قرروا أحقية الزوجة في طلب فسخ النكاح وبدون أي عوض يتم دفعه منها للزوج إذا كان قد دخل بها، وأن الإجراء الشرعي الوحيد في ذلك يكمن في بعث حَكَمين لمحاولة الإصلاح بين الزوجين، فإن توصلا لذلك، وإلا فيفسخ القاضي عقد نكاحها بدون أي مقابل أو عِوض، وذلك لتعذر استمرار العشرة بينهما، ولا يجوز البتة إلزام الزوجة بالبقاء مع زوجها، ولا بإعادة المهر، ولا أي جزء منه، إلا إذا كان بطيب نفس منها فقط، سواء بمبادرة منها ابتداءً، أو بموافقتها وقبولها للصلح القضائي، صلحاً وليس إلزاماً، وأن فقهاء المسلمين قد تواتروا على هذا العمل وهذه الفتوى. إعادة المهر وشدد القاضي الشريدي أن إلزام الزوجة بإعادة المهر عند طلبها فسخ النكاح وهو عمل قد جرى عليه عدد من القضاة المعاصرين في المحاكم، عمل مجانب للصواب، وليس عليه دليل شرعي، وأن غاية استدلالهم إنما هو بحديث زوجة ثابت بن قيس رضي الله عنهما حين اشتكت زوجها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها: (أتردين عليه حديقته؟) فقالت : نعم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها بتطليقها، وأوضح الباحث أن هذا الدليل لا يصح الاستشهاد به في الإلزام القضائي، وإنما هو في أبواب الإصلاح والإرشاد الاتفاقي، لأن القضاء والإلزام ليس فيه مشاورة للأخصام، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم الزوجة، وإنما شاورها عما إذا كان لديها استعداد برد جزء من المهر، فكان صلحاً وإرشاداً لا قضاء وإلزاماً، حسبما قرره الحافظ ابن حجر في فتح الباري، حيث قال : «هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب «ا.ه.(ج/9، ص/400)، كما قرره بدر الدين العيني في عمدة القارئ بشرح صحيح البخاري، حيث قال: «الأمر فيه للإرشاد والاستصلاح، لا للإيجاب والإلزام « ا.ه. (ج/2، ص/375)، وقال به ابن قدامة في المغني، حيث قال: «إذا كان الفسخ بعد الدخول، فلها المهر، لأن المهر يجب بالعقد، ويستقر بالدخول، فلا يسقط بحادث بعده، ولذلك لا يسقط بردتها ولا بفسخ من جهتها «ا.ه. (ج/10، ص/63)، وأساس ذلك ودليله أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واتهم زوجته بالزنى، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يلزم زوجته بإعادة المهر، فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن الحكم بذلك، وقال له : (( لا مال لك، إن كنتَ صدقتَ عليها فهو بما استحللتَ منها )) رواه البخاري ومسلم، فأوضح عليه الصلاة والسلام أن المهر لا يعود البتة بعد معاشرة الزوج لزوجته. مقابل مادي وبيّن الباحث أن الزوجة تمتلك المهر بمجرد دخول زوجها بها وجماعه لها ولو لمرة واحدة، ولا يجوز إلزامها بإعادة المهر ولا جزء منه حتى لو طلبت هي الفسخ، ودور القاضي والحال هذه إنما يقتصر في بعث الحَكَمين لمحاولة الإصلاح بين الزوجين، فإن توصلا لذلك، وإلا فيجب على القاضي فسخ النكاح بغير عِوض، ولا مقابل مادي، وذلك لتعذر استمرار العشرة بينهما، لأن الذي يوجب استقرار المهر في ملك الزوجة إنما هو الجماع ولو لمرة واحدة فقط، وليس استمرار العشرة، فاستمرار العشرة ليست شرطاً لاستقرار المهر، وذلك بإجماع علماء الأمة، أما لو ثبت غش المرأة لزوجها بمثل مالو وصفت نفسها أنها بكر فاتضح للزوج أنها ثيب، فإن الأمر يختلف والحال هذه ويعود المهر، شريطة توقف الزوج عن استمرار معاشرتها بعد علمه بهذا العيب. هذا وقد أورد الباحث جملة من الاستدلالات والمناقشات حول هذا الموضوع، وعدداً من الشواهد والتطبيقات القضائية من محاكم المملكة العربية السعودية، كما اقترح في ختام البحث تنظيماً للتعامل مع مثل هذا النوع من القضايا.