منذ صدور كتاب المستشار الأميركي جون بولتون الذي طاف الحديث عنه كل صحافة العالم والكل يتسآءل عن تأثير الكتاب على الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترمب وكل فصول الكتاب ينشر عنها يوميا مئات المقالات منذ صدوره قبل أسابيع قليلة. سأتناول تلك النقطة ولكنني سأتكلم أيضا عن نقطة لم يتم تسليط الضوء عليها في كل المقالات التي نشرت حول الكتاب وهي موقف ترمب وحتى خصومه من الديموقراطيين من إيران ذلك أن القارئ للكتاب سيخرج بنتيجة واحدة حول هذه النقطة اذكرها في نهاية مقالي هذا جون بولتون هو محامي أميركي، ومعلق سياسي ودبلوماسي سابق. يبلغ من العمر (71 عاما)، محافظ متشدد لا يحظى بحب زملائه الجمهوريين ولا احترام معارضيه الديمقراطيين شغل منصب سفير الولاياتالمتحدة الخامس والعشرين لدى الأممالمتحدة من 2005 إلى 2006، ومستشار الأمن القومي السابع والعشرين للولايات المتحدة من 2018 إلى 2019. وهو أحد صقور الحزب الجمهوري درس القانون في جامعة ييل الأميركية، وتمرس في العمل في وزارة العدل في زمن الرئيس الجمهوري رونالد ريغان، ولعب دوراً تقدمياً في صياغة رؤية القرن الأميركي للمحافظين الجدد في نهاية تسعينات القرن الماضي، وكان من ضمن صقور إدارة جورج بوش الابن (2000-2008)، حيث ارتبط اسمه باجتياح العراق. وتولى مناصب في إدارة رونالد ريغن مابين العامين (1980-1988) وخلفه جورج بوش الأب في الأعوام (1988-1992). بولتون كان مهندس انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني (الموقع في 2015، خلال حكم باراك أوباما) في مايو 2018. وقد رفض بولتون الإدلاء بشهادته خلال محاكمة ترمب في مجلس الشيوخ بهدف عزله في ديسمبر الماضي، وأخيرا أمضى جون بولتون 17 شهرا مستشارا للأمن القومي في البيت الأبيض قبل استقالته في 10 سبتمبر الماضي، كان هذا هو التاريخ السياسي والمهني للرجل وبالعودة إلى سبتمبر الماضي سنلحظ أن صحفا عالمية كثيرة أبدت اهتماماً ملحوظاً بإقالة الرئيس الأميركي لمستشار الأمن القومي وقتها (جون بولتون) بل وربط عدد من المحللين بين إقالة بولتون والحرب الأميركية التي تلوح بوادرها في الأفق ضد إيران، مشددين على أنه كان من أكبر المناصرين لشن مثل هذه الحرب، وكان هناك تسرع في بثّ أجواء تفاؤلية لإقالة بولتون وانعكاس ذلك على العلاقات الأميركية-الإيرانية، وتم التذكير من قبل أولئك المحللين بأن هناك سباقا محموما بين الدبلوماسية والخيار العسكري في التعامل الأميركي مع إيران ليتأكد العالم مطلع العام أن كل الساسة الأميركيين يرون في ايران عدو لابد من استدراجه إلى الهاوية. بعد الإقالة كانت تلك النهاية لبولتون قد لاقت الترحيب عموماً في واشنطن. فهو يدين بأيديولوجيا التفوق والتعامل مع الخصم أو المختلف معه بلغة العصا. ولا مكان عنده للدبلوماسية وسياسة التسوية في معالجة الخلافات والأزمات في كتاب بولتون الجديد والذي حمل عنوان The Room Where It Happened: A White House Memoir، لم يحظ أي موضوع غير إيران على اهتمام كبير من جانب بولتون إذ ورد اسم إيران 755 مرة، حيث اعتبر إيران خطرا كبيرا إلى جانب روسيا والصين وكوريا الشمالية. واعتبرها رابع أخطر دولة لأنها تملك سلاحا نوويا. كل ساسة الولاياتالمتحدة يعرفون أن بولتون يعتبر إيران العدو، ويصفها بالبعبع كلما ورد اسمها أمامه، وكان اهتمامه منصبا دائما على ضرورة عدم فتح قنوات دبلوماسية مع طهران وقد هدد مرتين بالاستقالة في حال نفذ ترمب رغبته بلقاء وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، حيث إنه لا يرى أي مجال لتوقيع اتفاق نووي جديد مع النظام الإيراني الحالي طالما أن الاتفاق لا يتضمن بنودا رادعة بل أن بولتون كان على وشك الاستقالة بعد أن قرر ترمب الغاء أوامره بضرب إيران ردا على قيامها بإسقاط طائرة استطلاع أميركية مسيرة في يونيو من العام الماضي، أثناء مهمة استطلاعية فوق مياه الخليج العربي، وقال ما نصه: "أعتبر قرار ترمب بعدم إثارة حرب ضد إيران هو القرار الأكثر سخافة"، موقف ترمب من الكتاب يمكنني وصفه بالموقف الطبيعي والعادي حيث هاجم الرئيس الأميركي بولتون وقال في سلسلة من التغريدات ما مفاده أنه ارتكب أخطاء كثيرة، وأضاف، فشل بولتون في الحصول على الموافقة ليكون سفير واشنطن لدى الأممالمتحدة منذ سنوات، مبيناً أنه توسل إليه ليحصل على منصب مستشار الأمن القومي الذي لم يكن مجلس الشيوخ موافقاً عليه". بل وأشار إلى أنه عيّن بولتون مستشاراً رغم عدم موافقة مجلس الشيوخ ولكنه طرده لأنه، بحسب ما قال: "لو استمعتُ إليه لكنا الآن في الحرب العالمية السادسة" لكن مايهمنا هنا نظرة ترمب للكتاب فقد وصف ترمب كتاب بولتون ب"القذر" و "غير الصحيح" مضيفاً أن الكتاب عبارة عن مخطوط كامل من المعلومات السرية التي تهدد الأمن القومي. اعتبر عدد من المسؤولين العسكريين والسياسيين الإيرانيين أن امتناع الولاياتالمتحدة الأميركية عن شن هجوم على مراكز إيرانية هو علامة على عجز أميركا عن مواجهة عواقب رد فعل إيران المؤكد وهذا ماقرأناه بوضوح وماوردت تفاصيله في كتاب جون بولتون في رسالة لم تدركها إيران وهي ان امتناع أميركا عن شن عمليات عسكرية قد شجع لاحقا على بعض الحسابات غير المدروسة في المستقبل، والتي أدت في نهاية المطاف إلى صراع متواصل إثر اغتيال قاسم سليماني مطلع العام، ونلحظ أن مسؤولي إيران كانوا يعتبرون في حساباتهم الخاطئة طوال الأعوام الأربعة الأخيرة أن فوز دونالد ترمب أمام منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون أمرٌ مستبعد، وبعد فوز ترمب أطلقوا عليه لقب السياسي التاجر، ورأوا أنه سوف يسعى مع إيران لإتمام اتفاقيات من النوع الذي يتم بين التجار. وعندما اتضح لهم أن حكومة ترمب تسعى للخروج من الاتفاق النووي اعتبروا أن هذا الاحتمال يبقى مستبعدا ثم حدث الخروج وقد اعتبر جون بولتون في كتابه أيضا يوم خروج الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووي وعودة جميع العقوبات السابقة ضد إيران واحداً من أفضل أيام العمل بالنسبة له، وأيضا كانت حسابات الإيرانيين خاطئة حيث اعتقدوا أن ترمب لن يضع الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، ولن يخطط أبداً للهجوم على إيران. وهذا ما حدث خلافه كما نعلم. كتاب جون بولتون الذي خصص فيه فصلين كاملين للحديث عن إيران، وذكر اسم إيران في المتوسط أكثر من مرة في كل صفحة منه يوضح كيف أن خطر مقتل الإيرانيين الأبرياء كان سبباً في توقف العمليات العسكرية الأميركية، ونشوب صراع مترامي الأطراف، وإلى أي مدى يمكن حدوث ذلك في المستقبل، ويمكن أن يتم بسرعة على الرغم من عدم توقع المسؤولين الإيرانيين، وخصوصا في ظل الأخطاء التي قد يرتكبها النظام الايراني في الشرق الأوسط هل يمكن أن يؤثر الكتاب على إمكانية فوز ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في نوفمبر المقبل؟ على الأرجح لا. ذلك أن الجمهور الداخلي غير مهتم بالسياسة الخارجية، وبولتون على خلاف شديد مع الديموقراطيين الذين يلومونه على عدم مشاركته في الشهادة أثناء محاولتهم عزل ترمب، لكن ومن خلال الحوارات التي أجريتها خلال الأسبوعين الماضيين ومنها حوار مع السفير لينكولن بلومفيلد (مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق للشؤون العسكرية السياسية) أدركت انه "من الصعب التهوين من آثار كتاب بولتون وغيره في تغذية منتقدي وخصوم ترمب بمادة دسمة للهجوم عليه والنيل منه، مما يجعل حملته الانتخابية في وضعية دفاع مستمر حتى موعد الاستحقاق الانتخابي، ويمكنني القول بوضوح فُرص الرئيس ترمب في الفوز مرهونة بقدرته على تحقيق إنجازات نوعية سريعة لإحداث تأثير عكسي في مؤشر الاستطلاعات وهذا ما بدأت اشاراته تظهر. فالرئيس الأميركي له قاعدة جماهيرية كبيرة من المحافظين تؤيده. وفِي الخلاصة أن ايران ستبقى العدو الأساسي للساسة الأميركيين حتى وإن تأخرت طريقة الرد على عدوان إيراني على طائرة أميركية مسيرة أو على اقتحام قديم للسفارة الأميركية في طهران ها هو قانون قيصر ومن قبله اغتيال سليماني والعقوبات التي انهكت الاقتصاد الإيراني مؤشرات لا شك فيها على أن ايران هي الهدف الأول الذي لابد من القضاء عليه وهذا ما يفكر فيه الساسة الأميركيين في كلا الحزبين سواء أكانوا متشددين مثل جون بولتون مؤلف هذا الكتاب أم كانوا غير ذلك.