كان الدليل المرافق للإنجليزي داوتي واسمه محمد كثيرا ما يصب اللوم على شقيقه الذي لم يكن ذكيا وألمعيا بما فيه الكفاية والسبب على حد قوله إنه ينفق كل ما معه على البيع والشراء الخاسر وعلى شرب القهوة والدخان متسائلا.. أهذا رجل حكيم ذلك الذي يشرب القهوة ويصبغ أمعاءه بسوادها؟، مبينا أنه استطاع أن يتخلص هو من كل هذه العادات التي عرته وانهكت جيبه بل إن الأخطاء التي ارتكبها قد حاقت به في ريعان جهل الشباب أيام كان بالمدينة وبعد ذلك بسنوات استطاع محمد معالجة نفسه بدواء عنيف كان أحد أنواع سم الفئران مما أدى إلى عدم ثبات أسنانه واطلع داوتي على ذلك السم الذي كان عبارة عن رصاص أحمر (أكسيد الرصاص) وبالرغم أن بنية محمد القوية قاومت الكثير من الشرور وأنواع الحمى المنتشرة في خيبر إلا أن ذلك المرض العضال بقي في جسده خاملا وأدى إلى اسوداد مفاصله، ولما كان أخوه يعيش معه ويمد يده إلى طعام أخيه فقد انتقلت إليه العدوى. عند وجودهم في خيبر كان الوقت يصادف عودة الحج وراجت كما هو الحال في أنحاء الجزيرة العربية بحسب قول داوتي أخبار كانت توحي بالأوجاع والانذارات. فخلال موجة مفاجئة من المطر المداري.. أدى السيل العرم الناتج عن ذلك المطر إلى تدمير ربع مساحة مكةالمكرمة على وجه التقريب كما انتشر وباء الطاعون بين الحجاج يضاف إلى ذلك أن شريف مكة أصيب بالمرض وهو يرافق تحركات الحجاج إلى المدينةالمنورة، كان الحديث حول هذا الأمر قد دار في مجلس عبدالله حاكم خيبر صاحب البشرة السمراء الذي شحب وجهه أثناء ذكر الوباء وراح محمد مرافق داوتي يتكلم بصوت خفيت وهو يقول: سوف ينتشر الوباء عما قريب في خيبر كعادته وأدلى برأيه في المجلس في قهوة الحاكم مهونا عليهم بألا يخاف أحد من الموت وأن يستمر الناس للقيام بأعمالهم اليومية المعتادة ويفوضوا أمرهم لله وحده. ثم طرح سؤالا لداوتي الذي كانوا يلقبونه بخليل: ما رأيك يا خليل وأنت الرجل الحكيم، أتعتقد أن يفرض الحجر الصحي لم ينتظر إجابة من خليل بل راح يدعو راجيا لطف الله الذي جزم بأنه سيتحقق مبديا سؤالا آخر ضمنه الإجابة: لكن هل تعرفون يا سادة أين سيكون مكان ذلك الحجر الصحي لأهل خيبر.. سيكون حتما خلف منطقة عطوى، زد على ذلك أن الخلاف قد دب بين الحجاج المغاربة في مكةالمكرمة. فيما يتعلق بميراث أولئك الذين ماتوا بسبب ذلك الطاعون، بعدما انتشر بينهم وفي النهاية بكّر المغاربة بالمسير قبل ثلاثة أيام من رحيل كل القوافل السورية والقوافل المصرية إلى المدينةالمنورة وعندما وصل المغاربة إلى المدينة يحملون مرض الكوليرا بالتأكيد منعهم الباشا من دخولها قائلا بوسعهم الحضور في عام مقبل لزيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن المغاربة المشاكسين أرسلوا رسالة إلى باشا أو حاكم المدينةالمنورة قائلين في رسالتهم: اسمح لنا بزيارة النبي صلوات الله عليه وسلامه بالطيبة وإلا زرناه رغم أنفك وكون الحاكم يستند إلى حكومة ضعيفة ومفككة وقد دب فيها الفساد والوهن لدرجة عدم مقدرتهم على حماية الحجاج مع انتشار الفساد والرشاوي وفساد القضاء كما أكد ذلك العديد من الرحالة والباحثين الأوروبيين الذين زاروا مكةوالمدينة ورصدوا الأوضاع هناك بكل دقة فقد رضخ الحاكم إلى ضغطهم ودخل المغاربة بهرجهم ومرجهم وحبس سكان المدينةالمنورة أنفسهم في منازلهم وهم يرتجفون خوفا من انتشار الكوليرا بينهم خلال سويعات قليلة لمعرفتهم بطبيعة المرض وورد في هذا الوقت أيضا تقرير من الشمال مفاده أن قطار البضاعة احتجزه البدو الذين يكرهون المحتل ويحاربونه في كل مكان وسيجتمع مع الوباء شح في البضائع، وهكذا حسب تأكيد داوتي لا يخلو كل عام في الجزيرة العربية من سيل كبير من الإنذارات والتحذيرات والأوبئة حيث يترك كل مريض ليواجه مصيره لانعدام الرعاية الطبية الكافية. خيبر كما رسمها الرحالة الإنجليزي (تشارلز داوتي) في العام 1877 / 1294