هذه الفئة من أبطال الوهم هم في الواقع يخلطون بين معلومات ذات صبغة حقيقية ويمزجونها بمعلومات خاطئة أو غير دقيقة لتمرير معلومات معينة تمويهاً على المتلقي لإقناعه بأنها معلومات صحيحة، اعتماداً إما على مبدأ تضخيم الحقائق، أو المبالغة فيها.. أفرزت لنا جائحة كورونا العديد من المفارقات الغريبة وغير المتوقعة، ولعل أكثرها بروزاً في الإعلام الجديد على وجه الخصوص ما له علاقة بظهور عدد ممن كنا نظنهم من المشاهير ذوي القيمة الفنية والعلمية، ولكن للأسف لم يكن أحد يتصور في يوم من الأيام أن تنبري هذه الفئة من المشاهير ممن لا تملك المؤهلات العلمية الكافية، ولا الخبرات العملية الطويلة، ولا الإحساس بأهمية ما يتناولونه في رسائلهم لقيادة المجتمع وتوجيهه لكي يتكلموا في أمور لا يعرفون عنها شيئاً، فتراهم تارة يشجعون على ممارسة عادات يؤكدون أنها تقيهم من عدوى هذه الجائحة مثل المطالبة باستنشاق بخار الماء الحار يومياً، أو أن فيتامين (دال) يمنع الإصابة بالعدوى، أو أن منظفات الأيدي المضادة للبكتيريا غير مجدية في الوقاية من فيروس "كورونا". وتارة أخرى يتفاخرون بخرقهم لقواعد التباعد الاجتماعي، وثالثة يجتهدون في الدعاية لمنتجات لا يعرف أحد مصدرها غير مدركين لخطورة هذه الممارسات وتأثيرها على أبناء المجتمع. ولكن في عصر الإنترنت وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح ذلك ممكناً، حيث استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي تكوين العديد من الصور والمعلومات الإخبارية، فأصبحت هي الظاهرة الطاغية على الكثير من المجتمعات في عصر تقنية المعلومات. فرأينا مجموعات كبيرة شباباً وشابات لم تعركهم تجارب الحياة، ولم يشعروا بالمعاناة، ويفتقدون إلى الكفاءة المهنية يصبحون بين ليلة وضحاها من المشاهير، يقدمون الرسائل المضللة للمجتمع، إما من خلال الأخبار والمعلومات غير الدقيقة، أو الإعلانات المصورة، أو من خلال تعليقات تؤكد صلاحية منتج بعينه لعلاج مرض مستعص، أو الحديث عن تجارب شخصية لهم لم تحدث على أرض الواقع عن خسارة الوزن مثلاً، أو الاستثمار في مجالات جديدة لكسب المال السريع، أو فقط من خلال صناعة بطولات وهمية كانوا هم -كما يدعون- جزءًا منها. ومع أن إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الجديد كثيرة، ولعل من أهمها تمكين الآخرين من نقل وتلقي المعلومات والأخبار بسرعة فائقة تفوقت بها على وسائل الإعلام التقليدية سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية حتى أنها أصبحت أو كادت تكون شيئاً من الماضي، إلا أنها أتاحت للأخبار المفبركة والمعلومات غير الدقيقة أن تجد مجالاً واسعاً لانتشارها بين الناس.. وأوجدت فرصة لأصحاب الأهواء والأفكار غير السوية لينشروا أفكارهم دون حسيب أو رقيب. والمشكلة أن أبطال الوهم في الإعلام الجديد يستطيعون إنشاء منصة إخبارية لهم، أو حتى موقع إليكتروني خلال ثوانٍ معدودة، ثم يبدؤون بنشر ما يتفق مع رؤيتهم، ويحقق أهدافهم، سواء كانت عن أشخاص، أو مجرد موضوعات عامة، فمثلاً يمكن لهذه الفئة من الناس نشر صورة لشخصية معروفة على سبيل المثال ثم يقومون بالتعليق عليها، أو تقديم معلومات مغلوطة عنها. وللأسف أن بعض المتلقين ونتيجة لقلة اطلاعهم، أو توافقها مع ما يرغبون قراءته ومعرفته وإن لم يكن حقيقياً يصدقون، أو على الأقل يشككون، والأدهى من ذلك أن بعضاً من هؤلاء المتلقين يعيدون الإرسال عن وعي منهم أو من دون وعي رغبة في مشاركة الآخرين هذه المعلومة المغلوطة، والقليل من المتلقين سيسعون إلى التحقق والتقصي قبل الضغط على زر إعادة الإرسال، مما يتيح الفرصة لهذه الأخبار أن تنتشر على نطاق واسع. وهذه الفئة من أبطال الوهم هم في الواقع يخلطون بين معلومات ذات صبغة حقيقية ويمزجونها بمعلومات خاطئة أو غير دقيقة لتمرير معلومات معينة تمويهاً على المتلقي لإقناعه بأنها معلومات صحيحة، اعتماداً إما على مبدأ تضخيم الحقائق، أو المبالغة فيها، أو فقط بهدف التشويه بناء على مصالح شخصية مؤقتة مثل الكسب المادي، أو زيادة عدد المتابعين دون اهتمام بدقة ما ينشرونه أو خطورته، أو لإضفاء قدرات خارقة غير موجودة على قدراتهم الذاتية، وإما جهلاً منهم بخطورة تداول مثل هذه المعلومات وترويجها. نعم لهم حرية اختيار ما يريدون نشره، أو إعادة إرساله، ولكن ليس لهم الحق في بث الإشاعات في المجتمع بما يؤثر على لحمة المجتمع، ويسهم في خلخلة وحدته وتماسكه. مطلوب من المتلقي أن يكون حريصاً على عدم تناقل الأخبار والمعلومات إذا لم يعلم عن دقتها ويتوثق من صحتها، ففي الأخبار مثلاً لابد من ملاحظة تاريخ نشر الخبر وتوقيته، وعلاقته بأخبار أخرى تم نشرها في نفس التوقيت، والجهة الناشرة للخبر ومدى موثوقية أخبارها ومصادرها، وهل هي تعتمد على توثيق تصويري أو تسجيلات صوتية، وهل الخبر أو المعلومة مرتبطان بمنتجات معينة بهدف الحصول على مكاسب مادية حتى لا نسهم في نشر المعلومات المضللة.