لقد تسيد الاستثمار في القطاع الصحي أهمية بالغة خلال جائحة كورونا في جميع دول العالم ونمت الصناعة الطبية بشكل ملحوظ وثبت أن الاستثمار في القطاع الصحي له من أهمية بالغة وخاصة في الوقت الحالي حيث نرى الكثير من الدول والشركات الأجنبية التي تتنافس في الدخول إلى السوق الصحي السعودي!. فلماذا هذا التنافس؟ وأين نحن كقطاع خاص من تلك المنافسات؟ ولكن قبل أن نتعرض للإجابة على هذين السؤالين لا بد لنا أولا من معرفة مجالات الاستثمار في هذا القطاع، فالقطاع الصحي ليس فقط مستشفيات وأدوية وإنما هناك الكثير من المجالات والتصنيفات بهذا القطاع وهي كالتالي: * مستشفيات وما يتبعها من مراكز للبحوث والدراسات الطبية. * شركات تقديم خدمات التأمين الصحي. شركات أدوية وعقاقير والتي يمكن تصنيفها بشكل تخصصي إلى عقاقير كيميائية وعقاقير عضوية. * مراكز التحاليل الطبية. * شركات أجهزة ومعدات طبية بدءا من الضمادات حتى الدعامات القلبية، وما يتبعها من مراكز للبحوث والدراسات التكنولوجية الخاصة بهذا المجال. * أضف إلى ذلك قطاع التجميل الذي أصبح في الآونة الأخيرة مجال مستقل بذاته لما يتميز به من تزايد الطلب عليه. * كي لا نكون قد أغفلنا شيئا هناك أيضا نوافذ منبثقة من كل مجال من تلك المجالات الصحية وتزداد مع ازدياد التخصصية كظهور شركات تسمى مديري منافع الصيدلة (PBMs) وهي شركات تدير مزايا الأدوية نيابة عن شركات التأمين. يعملون جنبًا إلى جنب مع شركة التأمين الصحي ويمكن اعتبارهم جزءًا خارجيًا من التأمين الصحي، وكذلك الموزعون هم وسطاء بين مصنعي الأدوية والصيدليات، ويتلقون رسوم خدمة للتحكم في الخدمات اللوجستية لشركات الأدوية. بعد معرفة تلك المجالات والتفكير ملياً بها، بسهولة نتمكن من الإجابة على السؤالين السابق ذكرهما، فلا يمكن أن يغيب عن أذهاننا الأسباب الكامنة وراء تنافس الشركات لأخذ موقعا في سوق الخدمات الصحية السعودية. إن أول ما يتبادر إلى عقولنا بالتأكيد أن السبب الرئيس لذلك هو إدراكهم لمدى الربح العائد من ذلك الاستثمار والوثوق من النجاح الاستثماري في هذا القطاع وبتلك المنطقة أي المملكة، فتلك الرغبة لم تأت من لا شيء أو لمجرد التوسع وإنما كانت نتيجة دراسات سابقة للقطاع الصحي السعودي ومتطلباته ونسبة العرض والطلب بهذا السوق. وبوجه عام عند الدخول في الاستثمار الصحي فإن أولى الخطوات المتخذة هي دراسة التركيب السكاني بتلك الدولة أي معرفة النسبة العامة للشيخوخة، نسبة تواجد الأمراض المزمنة، اتجاهات السكان الإيجابية نحو هذا القطاع وكذلك نسبة العرض والطلب فكل تلك الدراسات تحدد مدى نجاح الاستثمار الصحي بأي منطقة، ومن نتائج الدراسات التي أجريت عن القطاع الصحي السعودي وجد ارتفاع بنسبة الشريحة السكانية فيما فوق ال55 عاما والتي ستحتاج بالتأكيد إلى رعاية صحية مستمرة، كذلك ارتفاع نسبة الأمراض المزمنة كالسكر وارتفاع الضغط وغيرها من الأمراض المزمنة التي تتطلب رعاية صحية مستمرة، إلى جانب اتجاه الدولة للتغطية التأمينية للسكان وزيادة الإنفاق والاستثمار بهذا المجال. قديما كانت الرعاية الصحية من شأن القطاع العام أو الحكومة هي التي تتولى إدارة هذا القطاع بشكل كامل من مستشفيات وأدوية ودور رعاية للمرضى، ولكن مع تعدد تخصصات الخدمات الصحية وتنوعها وازدياد الطلب على الخدمات الصحية بكافة أنواعها أصبح من اللازم إشراك القطاع الخاص لسد الفجوة بين الطلب والعرض، إلى جانب ظهور الجانب الاستثماري في هذ القطاع الذي يعمل بالتأكيد على زيادة التنافسية وبذلك يؤدي إلى زيادة كفاءة ورفع مستوى الخدمات الصحية المقدمة للسكان، إلى جانب أن تلك النوعية من الاستثمارات أثبتت دورها في نمو الناتج الاقتصادي للدولة. وقد أرتأت قياداتنا أهمية الانخراط في هذا النوع من الاستثمار لما تتميز به من كونها سلاحا ذا حدين فإلى جانب الأهمية الاجتماعية والصحية للدخول في هذا المجال الذي من شأنه تطوير الخدمات الصحية المقدمة وما لذلك من مردود على صحة وراحة المواطن السعودي فهي بالتأكيد لها أهمية استثمارية كبرى من اعتبارها أحد المجالات الاستثمارية التي ابتعدت عن الاستثمارات البترولية واتخذت منحنى استثماري مختلف كوسيلة من وسائل التنويع بالاقتصاد السعودي، إلى جانب كونه مجالا لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية التي فتحت لها الدولة مؤخراً الطريق وسمحت للمستثمر الأجنبي باقامة منشآت طبية على أرضها بعد أن كان ذلك مقتصرا على المستثمر السعودي. إلى جانب قيامها برفع الميزانية المخصصة لذلك القطاع والاهتمام بالجالنب التأميني للمواطن. أين نحن كقطاع خاص من هذا؟ كل تلك الأسباب والأحداث الجارية تجعلنا لا نستطيع أن نولي ظهورنا لهذا الجانب من الاستثمار وأن نبدأ كقطاع خاص سواء شركات تجارية كبرى أو مشروعات صغيرة ناشئة بالتفكير في الاستثمار التجاري بهذا المجال، وخاصة بعد أن أبدت الدولة اهتمامها البالغ برفع مشاركة القطاع الخاص وزيادة إسهاماته في هذا المجال. نعلم تماما أن هناك جانبا من المخاطر فإلى جانب التصريحات والأذونات القانونية الكثيرة للبدء في هذ النوع من المشروعات هناك مخاطر عدم التمكن من الحصول على موافقة هيئات الأدوية العالمية أو احتياج ذلك للمزيد من الوقت والخضوع للمزيد من المراقبة والتفتيش أو التعرض للشكوى والإيقاف حال وقوع خطأ طبي بدواء ما أو ظهور آثار سلبية له على أحد المرضى، والكثير من المخاطر الأخرى. إلى جانب أن ذلك النوع من الاستثمار يعد من الاستثمارات طويلة المدى أي أننا نجني ثمارها بشكل وفير بعد فترة ليست بالقصيرة ولكن المستثمر الأكثر نجاحا هو الشخص المغامر والمجازف ولكن مغامرة مدروسة تأتي عن دراسة ومعرفة تامة بهذا القطاع فما يلزم كمستثمر ناشئ بهذا المجال هو دراسة للسوق والبنية الصحية للسكان كذلك لا بد من الإلمام التقني والتكنولوجي بشكل كبير. وقبل كل شيء تحديد هدف نسير نحوه بخطى واثقة، كذا تحديد نوعية المجال الصحي الذي سنقوم بالاستثمار فيه هل مستشفى، مصنع أدوية وعقاقير كيميائة أو عضوية، مصنع أدوات طبية أم شركة تأمين، فكل واحدة من تلك يلزمها مركز دراسات وبحوث، وكذا لا بد من السعي إلى اكتشاف وضم المبتكرين وذوي العقلية الابتكارية لضمان التطوير والريادة بالمشروع.