بين تعبير الشاعر والحدث الأبرز الذي يكون في زمن الشاعر توافق وتلازم، فالحدث يفرض نفسه والشاعر يستجيب طواعية لما فرض عليه. الحدث الأبرز على الساحة يستحوذ عادة على مشاعر وأحاسيس الشعراء حتى لو أراد شاعر التخفيف من تأثيره وتوزيع ذلك الإحساس على جوانب متعددة أقل تأثيرا أو هامشية فإنه لا يستطيع، وذلك لهيمنة الحدث الأكبر الذي يأخذ جل اهتمام المجتمع وله تأثيره الأقوى، ولا يمكن أن يخلو زمن من حدث، لكن تتفاوت الأحداث قوة وضعفًا، والأبرز من بينها تكون له السيادة. من هنا يمكن اعتبار القصيدة والشعر عمومًا سواء كان بيتًا واحدًا أو أكثر علامة دالة ومرآة تعكس ما جرى وتؤكد تفاعل الشاعر مع الحدث. وبهذا الاهتمام والإجراء الذي ينفذ على شكل قصيدة، يرسم بالشعر بعض تاريخ وأحداث مهمة، من خلاله يمكن تتبع تلك الشواهد فيه ومقارنتها بغيرها والربط فيما بينها. وإذا لم يوجد في مكان وزمان ما، من يؤرخ ولا من يعبر فإن هذا الجانب سيغيب عن المتتبع للماضي، والشاعر يعد أحد الذين يملكون وسيلة تعبير مهمة. ومقولة إن الشعر ديوان، لا شك فيها وقد كان ديوانًا للعرب يحفظ الوقائع وتفاصيل مهمة في حياتهم، لقلة من يقرأ ويكتب، كما أنه ديوان لغيرهم من أي مجتمع يحفظ شيئًا من أحوال وأحداث جرت. يقول حميدان الشويعر: احربوا واضربوا دون حدب الجريد واذكروا قول حاتم ولا ش سواه موتكم بالبواتر لكم كبر كار وموتكم بالتوجع عليكم زراه من ذبح دون ماله وحاله شهيد ومن حيا بالسعادة وله كبر جاه فأبيات الشاعر تعطي صورة عن الحالة التي عاصرها والوضع في تلك الفترة، فهو يعكس ما يحس به حوله، تلك الأحداث التي دفعت الشاعر لأن يقول ذلك، ففي الوضع المنذر بالحرب عبر بهذه الأبيات، وهو هنا أعطى الصورة التي يراها عن حدث عاصره وأثر في مشاعره، فالقصيدة إذن بعض تاريخ يسجله الشاعر وهو يقصد أو لا يقصد، ولا شك أن الأحداث تتغير والمناسبات تتعدد، وهذا يظهر في تنوع معاني ومضامين القصائد لكل شاعر. ونحن اليوم نرى حدثًا شمل العالم كله وشغلهم أيضًا، وهو وباء كورونا المستجد، الذي مس الجميع أثره، تلك الجائحة التي صارت حديث الإعلام والمجالس وكل بيت، وجندت لها الجنود والجهود، والكل يرى لها أثرًا حوله ومن خلال تلك الاستعدادات البادية على الناس من كمامات وتباعد ومعقمات وحالات طارئة ومريض منوم وآخر خرج من المستشفى، حتى إن كل الأعمال والنشاطات طالها ذلك الأثر سواء الوظيفة أو التعليم أو النقل أو الخدمات عمومًا.. إلخ. وهذا هو المقصود بالحدث المؤثر والأبرز، فمثل هذا يفرض على الشاعر هاجس الشعر، ويحرك قسرًا قريحته باتجاهه، فيكون التعبير عنه ليس خيارًا كما في الأحوال المعتادة، والقصيدة والحالة تلك تشكل سجلاً حسب مستواها وتؤرخ للحدث، وبحسب تنوع مضامينها يكون الشمول أو الاقتصار على البعض. ومع العلم أن هناك عشرات الأمراض المتزامنة في وقتنا الحاضر، إلا أن الأبرز هو كورونا كوفيد-19 المستجد، الذي استحوذ على الاهتمام من قبل المجتمع، والشاعر فرد في مجتمعه طاله الأثر واهتم منه. يقول الشاعر جمعان عايض: بكرة تزين وكل مافات ننساه ويزفها رب المخاليق بشرى حظر التجوّل والوبا والمعاناة واحداثها تصبح مع الناس ذكرى ويقول الشاعر: بندر بن غصين يامرحبا بالضيف والباب مفتوح في مجلسٍ مدهال لاهل المواجيب من يوم قفل كلنا هموم وجروح نصبر لاجل طاعة كلام المعازيب واليوم زان الوضع والبال مشروح من فضل ربي عالم السر والغيب ونشكر زعيمٍ فالمواقيف طحطوح من دون شعبه دك كل الاصاعيب ناصرالحميضي