لا توجد منطقة ملتهبة سياسياً في العالم مثلما هو الحال في الشرق الأوسط، ولعل دولة مثل ليبيا قد انتزعت مشهد الصدارة الإعلامية في ميادين الفضاء الإخباري لما تشهده أراضيها من صراعات متعددة الأطراف ونزاعات أجنبية حول الطاقة والنفوذ، حتى أضحت الجغرافيا الليبية مرتعاً خصباً لقوى التطرف وجماعات الارتزاق المدعومة من الأتراك. التسجيلات الصوتية المسربة حول علاقة النظام الليبي السابق بتنظيم الإخوان، كشفت عن مدى حجم التآمر الذي تكنه الجماعة المتطرفة على دول الخليج عموماً، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، وهي تسجيلات توثيقية عكست صواب قرار الدول الأربع بمقاطعة الدوحة، وهي رسالة صريحة لكل المشككين حول تنظيم الحمدين الذي ما فتئ منذ انقلابه المشؤوم في عام 1994م على معاداة دول المنطقة، وخلق الفتنة والتربص بثروات الأمة ومقدراتها. لا يشك لبيب عاقل أن السلوك التركي في الشرق الأوسط قد بات أمراً مقلقاً لكل شعوب المنطقة، سواءً منظومة الدول العربية أم مجموعة الاتحاد الأوروبي، فبالنسبة للحكومات العربية فقد أعلنت بصراحة عن تأييدها المطلق للموقف المصري، وحق القاهرة المشروع في تأمين حدودها الغربية حتى ولو اضطرها الحال إلى اقتحام الحدود الليبية، أما بالنسبة للأوروبيين فقد تصدرت باريس المشهد الحازم والقوي تجاه الخليفة الواهم في أنقرة، حيث هاجم الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون حلف الناتو المتستر على جرائم الأتراك في حق الشعب الليبي لدرجة أنه وصف هذا الحلف الدولي بالميت سريرياً. التنمر التركي تجاه العرب لا يقتصر على المشهد الليبي، فالرئيس التركي قد عمّق أذرعه الموبوءة بحمامات الدم في العراق وسوريا ومصر وليبيا وتونس وحتى اليمن، وسمات هذا التنمر تبدو جلية في مسميات قطعه البحرية مثلاً والتي تتربص إرهاباً وتربصاً بالمياه العربية في البحر المتوسط أو في بحر العرب، فخير الدين بربروس وعروج بربروس وجاقا بيه هم قراصنة وغزاة ساهموا في نهب السفن التجارية قديماً، وكانوا بمثابة قطاع الطرق في أواسط البحار لصالح خزينة الأستانة حينها، وهذه المسميات المرتبطة اليوم بتاريخ الاحتلال العثماني للأوطان العربية هي رسالة أردوغان التنمرية ضد العرب. وأخيراً لا بد أن يدرك الأشقاء في ليبيا حجم المأساة والدمار الذي خلفه أردوغان في المدن والبقاع السورية، وهي جغرافيا قليلة النفط نسبياً وفقيرة في ثروة الغاز، فكيف الحال بدولة مثل ليبيا تنبسط جغرافياً على بحيرة شاسعة من الغاز والنفط، ولهذا لا حل لليبيين سوى التكاتف الوطني وإيقاف كل صور حروب الوكالة، وبالتالي طرد كل القوى العابثة بأمنها واستقرارها مثل النظام التركي ومرتزقته الأجانب، وحينها سينعم الليبيون في وطنهم بالأمن والرخاء والاستقرار، وهذا ما نأمله كعرب لهذا الشعب النبيل.