مؤلم جداً أن تجد نفسك كاتباً بينياً يتأرجح بين كتابة ما يشعر به كمبتدأ لا يجد من يستمع له، وبين مفكر آمن أن الكتابة حياته التي يعيش من أجلها. كل المناطق الرمادية يعتريها الحياد البائس المؤدلج بالخوف. لذلك هي محطة فاصلة بين الانزلاق في الرتابة المتهافتة، أو الصعود إلى الشمس بعيني كوبرنيكس. إن الذين توغلوا في ذواتهم، وتصادقوا مع عقولهم، وأقاموا علاقات إنسانية مع انفعالاتهم، ومنحوا لأعينهم نوافذ التأمل والنقد، وجدوا أنفسهم أمام مرآة عملاقة بلاحدود تعكس العالم الذي هم فيه، ولكن للأسف ليسوا منعكسين في هذه المرآة، بل في أذهان من يقرأ لهم! وهم بالنسبة لأنفسهم مجرد أشباح. كل الكتاب الحقيقين أشبه باللا مرئيين، بالهواء الدي نشعر به، ولا نمسكه. ولكنهم نحتوا ملامحهم من خلال أحرفهم وأفكارهم في أذهان من يقرأ لهم بصدق وعمق. لقد قرأنا لكنتاب لم نعاصرهم وبيننا وبينهم قرون عديدة! ومع هذا لو تأملنا قليلاً لاستطعنا تخيل ملامحهم ورسمهم! والمثير في الأمر أنهم يصبحون من أصدقائنا المقربين جداً ونحن لا نعلم، حين نستشهد بارائهم. إن الكتابة الحقيقية أشبه بالنبض، بالرغبة الحميمية، باشتهاء الطعام، بالتنفس، بالبقاء.. وبكل ما يدعو للحياة حسب مايقتضيه هرم ماسلو. كثير من الكتاب الرائعين - ولا ألومهم - وقعوا في شرك البينية! لأنهم آمنوا أن المناطق الرمادية آمنة، وتبعث الدفء. وتترك حرية الاختيار لاحقاً للانزلاق والتهافت، أو التسلق لمصافحة الضوء. إن الكتابة قدر!! قبل أن تكون خياراً متاحاً. إن الأرض عندما تدور، وتتزلزل، وتثور براكينها، ليس بمحض إرادتها. إن السماء حين تبارك تزاوج الغيوم بذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين، ويتشكل جنين الماء ليس خيارها. إن الكتابة سجود الأقلام عندما تتهاوى أفئدة الأحبار على سجاد الورق! إن الكتابة صوت مآذن الروح لصلاة العطر في أعماق الذات، التي تسري في نسيج الأوراق، فترتوي بحبر الأقلام، فتنبت الأفكار، فتتسلق لتصافح الشمس لتصطبغ بنورانيتها. إننا نكتب لنشعر أننا على قيد الحياة.