لا يخفى علينا جميعا أن تركيا عقب تسلم رجب طيب أردوغان مقاليد السلطة أصبحت معقلا لجماعة الإخوان المسلمين وتبنت عملية الترويج لهذا الفكر الإجرامي على مستوى العالم.. واليوم تحاول السيطرة على مستعمراتها القديمة خاصة في منطقة القرن الإفريقي، وقد اتضح ذلك جلياً خلال تكالبها قبل فترة على جزيرة سواكن السودانية إلى أن حصلت على موافقة لإدارتها، وينطبق الشيء ذاته على تمددها بالصومال ففي العام 2018 فضحت صحيفة "سونا تايمز" الصومالية مخططاً تركياً- قطرياً- إيرانياً، لتكوين قوة إرهابية في الصومال، تتبع فرع التنظيم الإرهابي وتسير على درب حزب الله اللبناني، ليصبح هدفها الأساسي القيام بعمليات تخريبية في الإقاليم الصومالية التي تناوئ السياسة القطرية - التركية ومشروع الإخوان الإرهابي التوسعي... التغلغل التركي في دول القرن الإفريقي والذي أصبح الدور القطري راعيا له ومكملا وداعما وفي نظرة جديدة قديمة إلى علاقة تركيا بإفريقيا فإن إفريقيا لم تكن على قائمة أولويات السياسة الخارجية التركية بعد تأسيس الجمهورية في عام 1923، حيث اتّسمت العلاقات مع إفريقيا -التي كانت لا تزال تحت سيطرة الاستعمار- بالضعف ومع ذلك فإنه خلال فترة الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي بدأت تركيا تُولي بعض الأهمية لإفريقيا، حيث افتتحت في عام 1956 القنصلية العامة التركية في لاجوس، واعترفت تركيا بجميع الدول الإفريقية المستقلة حديثًا وعام 1998 اعتمدت الحكومة التركية وثيقة جديدة بعنوان سياسات «الانفتاح على إفريقيا»، حيث سعت أنقرة إلى تطوير العلاقات الدبلوماسية والتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي مع الدول الإفريقية. غير أن الافتقار إلى الخدمات اللوجستية، وعدم الاستقرار الداخلي، والأزمة الاقتصادية الحادة التي شهدتها تركيا في الفترة من 2000 إلى 2001 كلُّ ذلك وقف حائلًا دون تنفيذ هذه الخطة الخاصة بإفريقيا لكن مع تولّي حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، بدأت ( الأحلام العثمانية البائدة ) تراود الإسلاميين الجدد في تركيا. وبدا الهجوم التركي الحقيقي على إفريقيا في عام 2005، عندما أعلنت تركيا أنه «عام إفريقيا»، وقام رئيس الوزراء «رجب طيب أردوغان» بزيارة إثيوبيا وجنوب إفريقيا في مارس 2005 كأول رئيس وزراء تركي يقوم بزيارة رسمية لمناطق تقع إلى الجنوب من خط الاستواء. في ظل هذه الرؤية الاستعمارية ل «أردوغان» تم إعداد «استراتيجية تنمية العلاقات الاقتصادية مع البلدان الإفريقية» في العام 2003. وكان الهدف المعلن هو الحصول على المواد الخام، وتعزيز التجارة مع إفريقيا. وفي العام 2008، عُقدت قمة التعاون التركية الإفريقية في إسطنبول. و زاد عدد السفارات في إفريقيا من 12 إلى 42، وارتفع عدد مكاتب وكالة التعاون والتنسيق التركية في إفريقيا من 3 إلى 11 تعمل في 28 دولة في إفريقيا، وارتفع عدد المكاتب التجارية من 11 إلى 26. كما قامت شركة الخطوط الجوية التركية بزيادة أنشطتها في إفريقيا باعتبارها إحدى أدوات القوى الناعمة لتركيا. أضف إلى ذلك، فقد وصل عدد الطلاب الأفارقة الذين تخرجوا في الجامعات والمؤسسات التعليمية التركية أكثر من عشرة آلاف طالب. كما بلغ حجم التبادل التجاري التركي الإفريقي 24 مليار دولار».. المشروع التركي الأردوغاني كان يكتسي في بداية أمره برداء اقتصادي وإنساني من خلال دعم العلاقات مع الصومال منذ العام 2011، ولكنه سرعان ما أفصح عن وجهه الحقيقي من خلال الوجود العسكري التركي على الأراضي الإفريقية. ففي العام 2016، قامت تركيا بافتتاح أكبر سفارة في مقديشو عام 2016. واستغلت تركيا مناخ الحرب الأهلية وقامت بافتتاح قاعدة عسكرية في الصومال في عام 2017.. السؤال هنا كيف استطاعت تركيا اختراق تلك الدول...؟. خلال الأعوام الثلاث الأخيرة سعى «أردوغان» لإعادة تشكيل الأوضاع الجيوسياسية في إفريقيا. ففي العام 2018، أي بعد افتتاح القاعدة العسكرية في الصومال، وقّعت تركيا مع نظام الرئيس المخلوع «عمر البشير» عقد إيجار لميناء سواكن، وهي جزيرة سودانية في البحر الأحمر كانت تُعتبر ميناءً عثمانيا قديما. وادّعت أنقرة أنها تخطط لإعادة تطويره كمنتجع سياحي بتمويل قطري، لكن الخفيّ هو السعي لتطويق بعض الدول التي تعاديها أنقرة. ويبدو أن التحركات التركية ترتبط بالصراع الدولي على الموارد الطبيعية في كل من البحر الأحمر وشرق المتوسط. وقد تورطت تركيا بشكل سافر في الأزمة الليبية، وهو ما يخالف ادعاءاتها السابقة بالتركيز على جوانب التعاون الاقتصادي والتنموي. فقد وقفت تركيا خلف حكومة الوفاق الوطني بزعامة «فايز السراج»، حيث أرسلت طائرات بدون طيار مسلحة ومستشارين عسكريين ومتمردين سوريين متحالفين مع أنقرة إلى طرابلس». كما وقّعت تركيا مذكرة بحرية مع حكومة «السراج» المؤقتة، والتي تحدد قطاعًا غنيًّا بالغاز في شرق البحر المتوسط كإقليم تركي ذي سيادة، مما يثير حفيظة دول أخرى في المنطقة. ولا شك أن تورط تركيا في ليبيا يرتبط ارتباطًا وثيقًا باستراتيجيتها البحرية في شرق البحر المتوسط. ويترتب على ذلك كله زعزعة العلاقات الإقليمية في المنطقة المتوسطية. ومن جهة أخرى، يبدو أن تركيا تنظر إلى ليبيا بحسبانها مسرح عمليات لاختبار وتسويق منتجات صناعاتها العسكرية والأمنية وإظهار وجودها العسكري في إفريقيا باعتباره أداة للسياسة الخارجية التركية.». نصل الآن إلى العام 2020 حيث حملت جولة «أردوغان» الإفريقية في أواخر يناير والتي شملت الجزائر والسنغال وجامبيا وتشاد دلالات مهمة بالنسبة لاستراتيجية التغلغل الاستراتيجي التركي. حيث تؤكد أن هناك ثمة محاولات البحث عن حلفاء جدد بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين في السودان من جهة أخرى.. ويمكن القول إن الأزمة الليبية ومحاولة إعادة تشكيل المحاور الإقليمية كانت الهدف الأساسي لجولة «أردوغان» الأخيرة. وهي التي أظهرت بوضوح أهداف تركيا من التغلغل في القارة الإفريقية وأكثر ما يثير الريبة أن تركيا وبالاتفاق مع الرئيس التشادي ادريس ديبي أرسلت قوة من مئات الجنود إلى تشاد تحت حجة المساعدة العسكرية وتم توقيع اتفاقية عسكرية أيضا ويعتقد اردوغان أن باستطاعته السيطرة على تشاد كما فعل في قطر بالتالي استخدام تشاد بغطاء من ديبي كممراً خلفياً للوصول إلى ليبيا كذلك بعلم ومشاركة العجوز الثعلب ادريس ديبي نجحت تركيا في مخططها القاضي باستخراج الموارد التشادية واستغلال مناجم الذهب حيث خلقت فضاءً استراتيجيا تحت سيطرتها على الحدود مع ليبيا والنيجر وبذلك عندما اتفق ديبي مع تركيا وقطر على هذا الاستغلال المنجمي فقد أزال عن كاهله العديد من المشاكل، منها المتمردون الذين تمولهم تركيا وقطر. وتم تأسيس شركة طيران منخفضة التكلفة بين تشاد وتركيا، حيث يُسمح باصطحاب 5 كلج من الذهب للشخص الواحد. وتتنوّع الأهداف التي تسعى تركيا للحصول عليها داخل القارة الإفريقية، وإن كان يبرز ظاهرها في منافع اقتصادية واسعة، إلا أنّها تتعدّى ذلك، إلى مرحلة التوسّع الإقليمي-الدولي، باستخدام مجموعة أدوات، أهمّها: المساعدات الإنسانية، وخصوصاً من البوابة الصومالية. حيث سمعنا جميعا عبارة اردوغان (البعض أتى إلى إفريقيا من أجل الذهب، لكن تركيا أتت لكي تضمّد الجراح) وكذلك بالاستناد إلى الإرث العثماني في هذه المنطقة، وهو ما يؤكِّد نظرية "العثمانية الجديدة ومن خلال الاستثمارات وتوسيع التبادل التجاري وتبقى الأدوات السياسية والدبلوماسية، من خلال الاتفاقيات الحكومية، والتعاون الدبلوماسي والسياسي، وتوسيع التمثيل الدبلوماسي، وزيارات أردوغان المتواصلة اضف الى ذلك بناء القواعد العسكرية، حيث يميل الميزان العسكري لصالح تركيا بأضعاف هذه الدول.. وأيًّا كان الأمر فإن النموذج الأردوغاني الذي ينطلق من طموحات قوية وأحلام إمبراطورية تاريخية، يستند في مشروعه التوسعي إلى الاعتماد على القوة العسكرية جنبًا إلى جنب مع الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية... ويشبه حديث إردوغان عن ذهابه إلى التنقيب عن نفط قبالة سواحل الصومال إلى حد كبير، حديثه بشأن المذكرتين اللتين أبرمتهما تركيا مع رئيس حكومة طرابلس، فايز السراج ومُنحت أنقرة بموجبهما مميزات استراتيجية، بما أثار غضبا ليبيا وإقليميا ودوليا. ولننتقل إلى التغلغل القطري في القارة حيث تستثمر قطر التحالف العسكري والدفاعي مع تركيا لاختراق إفريقيا مجددا، ما دامت لأنقرة هي الأخرى مصالح سياسية واقتصادية في دول القارة، وهي تعتمد فيها أيضا على القوة العسكرية الصلبة. وقد انتقل النظام القطري من سياسة الدفاع والنفي المتواصل للاتهامات بتمويله حركات الإرهاب والتمرد في عدد من الدول الإفريقية إلى معاودة الاختراق الهجومي، في مسعى لاستعادة النفوذ حيث لجأت قطر إلى استحداث أدوات عسكرية، وتكثيف الاستثمارات والتدخلات الإنسانية، كأدوات ضغط على الأنظمة الإفريقية، فضلا عن توظيف التحالف مع تركيا لنقله من سياقه الشرق الأوسطي إلى الإفريقي... لكن أغلب المحللين يرون أنه لم يعد بإمكان قطر تكرار تجربتها في دبلوماسية الوساطة على الساحة الإفريقية، كما كان الأمر في دارفور غربي السودان أو بين جيبوتي واريتريا، حيث باتت موضع شكوك من أطراف النزاعات في القارة.. اللافت هنا، أن المساعي القطرية للعودة للقارة الإفريقية عبر بيع السلاح تأتي في وقت تتهم فيه تقارير غربية الدوحة، بتمويل حركة الشباب المجاهدين في الصومال، بل ودعم معسكرات هذه الحركة في كينيا، ودعم المعارضة التشادية المسلحة، خاصة في جنوب ليبيا، وتأجيج عدم الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي، عبر تمويل تنظيمات وشخصيات من القاعدة في مالي، والتي تمدد فيها العنف الإرهابي العابر للحدود باتجاه النيجر وبوركينا فاسو، والملاحظ كذلك أن ثمة اتجاها قطريا متصاعدا عقب المقاطعة العربية لقطر لتوطين بعض الصناعات العسكرية، مستثمرة في هذا الشأن تحالفها مع تركيا، إذ اتفقت الدولتان على تشييد أول مصنع للعتاد العسكري لتعزيز التعاون الدفاعي، حيث تملك أنقرة قاعدة عسكرية في الدوحة، بخلاف صفقات سلاح خفية تتدفق على قطر وتتضمن مدرعات وطائرات بدون طيار تأتي لها من تركيا. وتحاول قطر تأمين ارتباطاتها، ولو جزئيا بالجيوش الإفريقية، لمنافسة السعودية والإمارات في هذا المجال، لأن الدولتين تلعبان دورا أساسيا في تأييد السلام والأمن والتنمية في القرن الأفريقي، وتمويل ودعم قوة الساحل الإفريقي. تؤكد تقارير عديدة تمويل الدوحة حركة متشددة مثل "بوكو حرام" عبر دفع الفدية للرهائن المختطفين ونسج علاقات مع تنظيمات شيعية تابعة لإيران، كالحركة الإسلامية في نيجيريا... تنطلق محاولات قطر من معضلتها المزمنة في البحث عن المكانة فلا تزال الدوحة مسكونة في سلوكها الخارجي بتجاوز عقدة النقص الجيوسياسي، كدولة صغيرة لا تملك مقومات الدور الإقليمي. وتدفع طموحات من يديرونها إلى توظيف مواردها من الغاز لجمع أدوات الضغط من مناطق بعيدة جغرافيا، وتوسيع الاستثمارات وبناء تحالفات مع بعض القوى الإقليمية، حتى ولو كان ذلك على حساب المصالح العربية الكبرى، أو التدخل في شؤون الدول وزعزعة الاستقرار والتحريض على تخريب مكونات الأمن، وباختصار فإنه يبدو أن قطر التي تواجه عزلة متنامية في فضائها الخليجي وفي محيطها الإقليمي والدولي، تبحث عن فضاءات جغرافية أخرى خارجية وبعيدة بما يتيح لها توسيع نفوذها والتحول لقوة معترف بها في إفريقيا لكسر عزلتها العربية ولتكون صاحبة قرار مؤثر في إفريقيا. بينما نرى إن أردوغان يسعى من وراء ذلك التغلغل إلى السيطرة على القرار السياسي في القارة السمراء، وأن يكون هو «صوت إفريقيا» في المحافل الدولية... من أجل السيطرة الاقتصادية، وأن تكون إفريقيا سلة غذاء لتركيا، وكذلك لتسويق ودعم التنظيم الدولي للإخوان، وأن تكون تركيا الناطق الرسمي باسم الحكومات التي بها حضور إخواني كبير متناسيا أن الإرهاب الإردوغاني بمسمياته العلنية ومآربه السرية وطرقه الملتوية التي يتبعها لخداع المجتمع الدولي بمحاولته الإيحاء بلعب دور إنساني خيري انكشف هو وحليفه القطري في تمويلهم مؤسسات ومدارس خاضعة لسيطرة تنظيمات متطرفة ولمشروع إخواني يريد من إفريقيا العودة إلى حضن الاستعمار العثماني بعد أن أصبحت دويلة قطر من أولها لآخرها قاعدة عسكرية تركية تنتشي بالأوهام العثمانية الإردوغانية التي لا توجد إلا في خيال أردوغان.