في الآونة الأخيرة طرأت العديد من التغيرات في حقل تحليل السلوك التطبيقي على الصعيد الداخلي والخارجي للمملكة العربية السعودية، مما حث الكثير من المهتمين في هذا المجال من مختصين وأسر إلى طرح العديد من الأسئلة حول مستقبل هذا المجال ومصير الأطفال المستهدفين للاستفادة من هذه الخدمات التي أثبتت الأبحاث نجاحها ولاحظت الأسر الفروق وآثارها قبل وبعد تطبيقها. حيث يعتبر علم تحليل السلوك التطبيقي بأنه نهج علمي لفهم السلوك باستخدام الممارسات المثبتة علمياً والمبنية على البراهين. يشير علم تحليل السلوك التطبيقي إلى مجموعة من المبادئ التي تركز على كيفية تغيير السلوك وكيفية تأثره بالبيئة المحيطة وكذلك كيفية إحداث فرص للتعلم، وخفض المشاكل السلوكية والحفاظ على استدامة المهارات السلوكية المكتسبة من خلال استخدام طرق ممنهجة تبدأ بالتقييمات المقننة ومن ثم التدخل وجمع البيانات اليومية لتحري دقة معرفة مدى التطور في حالة الطفل ويشير مصطلح السلوك أيضاً إلى المهارات والإجراءات اللازمة الممكن ملاحظتها وقياسها للتواصل واللعب وخلق فرص للقيام بالمهارات الحياتية بشكل مستقل. وبذلك يعد برنامج تحليل السلوك التطبيقي برنامجا شاملا مبنيا على مبادئ تحليل السلوك التطبيقي، وبناءً على النتائج الإيجابية التي أثبتت من استخدام تحليل السلوك التطبيقي اعتمد الكثيرون من أنحاء العالم على استخدام إجراءات برنامج تحليل السلوك التطبيقي مع العديد من فئات المجتمع ومن ضمنهم أطفال ذوي اضطراب طيف التوحد من مختلف الفئات العمرية. صدر مؤخرا تقرير The National Clearinghouse on Autism Evident & Practice الذي تم من خلاله مراجعة الأبحاث التجريبية للتدخلات العلاجية لذوي اضطراب طيف التوحد خلال الثلاثون سنة الماضية. وقد تبين أن معظم الإجراءات المثبتة علمياً وذات كفاءة عالية هي إجراءات منبثقة من علم تحليل السلوك التطبيقي مما لا يدع مجالاً للشك في أهمية هذا العلم. وحيث إن المملكة العربية السعودية من مقدمة الدول المسارعة في احتواء وتطوير كل ما فيه مصلحة وخدمة لكل مواطن ومقيم على أرضها الطاهرة، أبدت الكثير من الجهات مساعدتها وبحثت عن كل الشروط والمواد الأساسية اللازم توافرها كأي علم تم تصنيفه وتقنينه على البيئة السعودية من التخصصات الأخرى. من أهم المستجدات في هذا الحقل على الصعيد العالمي هو التحول في سياسة مجلس محلل السلوك المقرر البدء فيه في مطلع العام 2023م والذي ينص على تقديم الاختبار باللغة الإنجليزية فقط والاعتراف بالممارسين بعد هذا العام بشروط من أهمها شرط الإقامة في كل من الولاياتالمتحدة الأميركية وكندا كخطوة لحث الدول الأخرى لإنشاء مجلس محللي سلوكي مستقل يخضع لاشتراطات الدولة المنشئة. ونظرًا لقرار مجلس شهادات محللي السلوك وبسبب أهمية هذا العلم ولكثرة الطلب عليه من المختصين من مجالات مختلفة لدراسته والعمل فيه وأيضاً حرص وبحث الأسر عن مقدمي الخدمة المرخصين وخصوصا ذوي الأطفال أصحاب التجربة في العمل مع متخصصين معتمدين في تحليل السلوك التطبيقي. كل هذه الأسباب قامت بدور تحفيزي لضرورة عمل مجلس سعودي لمحللي السلوك حيث إن في بلادنا ما يقارب 100 مختص ومختصة من محللي السلوك والفنيين معظمهم من شباب وشابات الوطن. لوحظ في العشر سنوات الماضية ارتفاعاً في معدلات المشخصين باضطراب طيف التوحد وهذا من أهم الأسباب الداعية للعمل على زيادة المختصين في تحليل السلوك التطبيقي للعمل جنبًا من ضمن التخصصات الأخرى لتقديم رعاية متكاملة لذوي اضطراب طيف التوحد كما أن إدراج تخصص تحليل السلوك التطبيقي في دليل التصنيف السعودي الموحد للمستويات والتخصصات التعليمية 1441ه - 2020م من الإدارة العامة للتربية الخاصة هو مؤشر إيجابي لمستقبل هذا الحقل، وقد يكون هناك حاجة للاستعانة بالمختصين في هذا المجال في تطوير البرامج والقوانين المراد العمل عليها. في السابق عمل المختصون وبادروا في هذا المجال على جمع وترجمة العديد من المصادر إلى اللغة العربية ولا يزال العمل قائم على ترجمة بعض المصادر المهمة وتحويلها إلى لغة ذات صياغة مفهومة متناسقة مع الثقافة المحلية للمملكة العربية السعودية ليسهل فهمها. يعتبر حقل تحليل السلوك التطبيقي من ضمن المجالات الواعدة في المملكة العربية السعودية والعالم العربي والتي قد تحظى بالمزيد من الاهتمام بسبب مؤشراتها التأثيرية في حياة متلقي الخدمة. كلنا مسؤول في توعية المجتمع بالممارسات المثبتة علمياً ليكون الهدف هو توفير خدمة ملائمة يستحقها كل من يحتاجها ذات جودة عالية لأنها تعتبر من أحد حقوقهم كأفراد في المجتمع. ستكون العشر سنوات القادمة حاملة للكثير من التقدم في هذا الحقل بما يرقى بمستوى الخدمات وتوفرها لذوي الإعاقة وأسرهم وبما يخلق فرصًا وظيفية لأبناء وبنات الوطن. * محلل سلوكي