تصارع أوروبا تخمة مخزونات الغاز الطبيعي الممتلئة بنسبة 60 % وهي من أهم أسواق الغاز في العالم وسط مخاوف أن تلقي بظلال معتمة على أسواق الغاز العالمية الرئيسة الأخرى، وذلك على الرغم من أفضلية الطلب على الغاز من البنزين والديزل ووقود الطائرات، إلا أنه كان منخفضاً. وعلقت «أويل برايس» بأن الوضع الصحي العالمي الحالي سيتسبب في أزمة اقتصادية حادة لم يشهدها العالم منذ الكساد الكبير، وقد ظهر هذا بالفعل في الانخفاض الكبير في الطلب على الوقود الأحفوري حيث تضرر النفط بشكل خاص لأن 60 في المئة من الاستهلاك ينبع من أنشطة النقل البري والبحري والجوي، وكان الطلب على الغاز الطبيعي أفضل قليلاً مع انخفاض أقل. ومع ذلك، فإن المخازن في واحدة من أهم أسواق الغاز في العالم، أوروبا، تمتلئ سريعاً. يبدو سوق الغاز والبنية التحتية في الاتحاد الأوروبي متطورة للغاية مع آلاف الأميال من خطوط الأنابيب التي تربط المستهلكين بالمنتجين المحليين والخارجيين مثل النرويج والجزائر وروسيا. علاوة على ذلك، تبلغ القدرة الإجمالية لإعادة حقن الغاز في القارة حوالي 230 مليار متر مكعب، وهي كافية لتغطية ما يقرب من 40 في المئة من إجمالي الطلب، في وقت يعد الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر سوق للغاز الطبيعي المسال بعد آسيا. إلا أن الطبيعة الموسمية للسوق تتطلب واردات كبيرة في فصلي الربيع والصيف لملء مخازن موسم التدفئة. ومع ذلك، فإن مجموعة من العوامل غير العادية تعني أن المنتجين يواجهون أوقاتًا صعبة، في الوقت الذي كان الطلب على الغاز أساساً منخفض قبل أزمة كورونا حيث خفضت ظروف الطقس بالشتاء المعتدل نسبيًا في 2018-2019 الطلب أكثر من المتوقع وهي دلالة بأن المخازن كانت ممتلئة أكثر من المعتاد في موسم التدفئة 2019-2020، ما يعني بأنه في ظل الظروف العادية، كانت الأسعار ستنخفض بالفعل، لكن الأزمة الصحية الحالية جعلت الأمور أسوأ من أي توقع. وتشير البيانات بامتلاء مرافق التخزين حالياً بنسبة 60 في المئة تقريبًا، مع توقع بلوغها الذروة في يوليو. وقالت «إمستريم» وهي شركة وساطة للغاز الطبيعي المسال، «نبدأ في الوصول بمعدلات حقن عادية في وقت ما بين نهايتي يونيو ويوليو، ويمكن لبعض البلدان ذات القدرة المحدودة مثل المملكة المتحدة أن تبدأ في الوصول إلى مستويات الشدة في أقرب وقت في الشهر المقبل مع اقتراب سعتها التخزينية من الامتلاء سريعاً، مما يحد من المرونة». والآن وبعد اتخاذ كافة الاحترازات في معركة كورونا، فإن معظم الدول الأوروبية تخفف ببطء من إجراءات التباعد الاجتماعي التي شلت الاقتصاد، في حين أن ألمانيا انتهجت أكثر السياسات نجاحًا خلال هذه الأزمة حيث أعادت بالفعل تشغيل الاقتصاد الذي يؤدي لزيادة الطلب على الغاز الطبيعي. بيد أنه من غير المرجح إلى حد كبير أن يقلل من تخمة الغاز العالمية. لقد وجهت أسعار الطاقة المنخفضة ضربة مدمرة لصناعة النفط الصخري في الولاياتالمتحدة، وبالتالي الغاز المصاحب لها كمنتج ثانوي، وقد قلل هذا إلى حد ما من تخمة الغاز. علاوة على ذلك، تم إلغاء ما يصل إلى 20 من شحنات الغاز الطبيعي المسال من الولاياتالمتحدة من قبل المشترين في معظمها في أوروبا. وعلى الرغم من إيجابية إلغاء الشحنات بالنظر للسعة المحدودة المتاحة للتخزين، إلا أنها لا تكفي لتحسين الوضع الحالي بشكل كبير. ومع ذلك، يتوقع بعض المطلعين مستقبلاً أقل قتامة. ووفقاً لجيسون فير، الرئيس العالمي لاستخبارات الأعمال في «بوتين آند بارتنرز» في هيوستن، «عندما تمتلئ المخزونات، لن يكون هناك مجال لمزيد من الغاز الطبيعي المسال في الولاياتالمتحدة، لكننا نشهد بالفعل إلغاءات تجعل من السوق دائم التنبؤ». وفيما تمثل أسعار الطاقة المنخفضة للغاية أخبار سيئة للمصدرين، فإن ظروف السوق الحالية هي أخبار مرحب بها للمشترين. ويعني انخفاض فواتير الطاقة أن المزيد من الأموال متاحة للاستثمار في قطاعات أخرى وبدء الاقتصاد. وعلى الرغم من أن تدفقات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا كانت مرتفعة بشكل استثنائي، إلا ن الواردات تتباطأ تدريجياً مع ملء المخازن. وعلى المدى الطويل، يعتمد الكثير على السرعة التي يمكن بها للاقتصادات الأوروبية أن تتعافى. وإذا أثبت الطلب مرونته، فإن الغاز الطبيعي سوف يظل يتدفق إلى أوروبا. ومع ذلك، فمن السابق لأوانه القدرة على التنبؤ بأي انتعاش في السوق، في الوقت الذي انخفض الطلب العالمي على الغاز بنسبة 5 في المئة بالفعل. ويعتمد الكثير على العوامل الموسمية والاقتصادية، وهناك احتمال كبير جداً أن تكون المخازن ممتلئة هذا العام بالمقارنة مع تخمة الغاز الطبيعي المسال العالمية، ووفرة الغاز الروسي الرخيص بملء الأنابيب، والتالي، فإن الأسعار ستظل منخفضة على الأقل على مدى ما تبقى من 2020. وبالذهاب إلى العام المقبل، سوف يظهر الانتعاش الاقتصادي العالمي بعد انقشاع الأزمة، مدى سرعة تعافي الطلب. ويمكن أيضاً لموسم التدفئة الأكثر برودة من المعتاد في عام 2021، أن يخفف من الوضع إلى حد ما. إلا أن ضبابية الأزمة قد أهلك التنبؤات. وستحدد ظروف السوق المحدثة مدى إمكانية مصدري الغاز الطبيعي على الصمود في أوروبا. تأتي ظروف تخمة الغاز الأوروبي في وقت تخوض شركة «سابك» معترك تنافسي في إمدادات الغاز الصخري الأميركي لمشاريعها في أوروبا وبالأخص لمجمع تيسايد للبتروكيميائيات في بريطانيا المملوك لسابك حيث نفذت الشركة مشروع تكسير الغاز تضمن تطوير المصنع القائم والجانب اللوجستي وانشاء مفاعل جديد للإيثان معززاً اتفاقيات استخدام إمدادات الغاز الصخري من الولاياتالمتحدة لدعم مجمع تيسايد الذي يعد الأول لاستخدام الغاز الصخري المستورد من المكامن الأمريكية بخليج المكسيك لتلبية احتياجات الشركة بالكامل للأعوام العشرة المقبلة ويمكن تجديده بعد فترة العشر سنوات. ومن شأن هذا الإنجاز أن يغير مستقبل تيسايد بعد نجاح «سابك» بربط أهم قارتين تجاريتين في العالم أوروبا وأمريكا الشمالية بإمدادات الغاز الصخري معززة مركزها التنافسي في أوروبا من حيت انسيابية المواد اللقيم بأقل التكاليف، حيث تركز «سابك» على أصولها الأوروبية وتعتبرها المنطقة المحركة الأهم للنمو والابتكار حيث إن 80 % من جميع التطورات الجديدة للمنتجات تأتي من أوروبا.