قامت خامات العمل على قصاصات جرائد قديمة، مع ألوان مائية، وورق تغليف هدايا عولجت بتقنية الكولاج والضغط والطباعة بالآلة، دمج الفنان من خلاله بين معادلة التعبير الرمزي الذاتي عن سيكولوجية الفنان من خلال اختيار الألوان، وتوزيع عناصر اللوحة (قصاصات الصحف والجرائد)، وبين التعبير الرمزي الموضوعي لتاريخ مصر القديمة، والتي عبر عنها من خلال مجموعة من العناصر البصرية مثل استعمال أسلوب الكبس لتجسيد أحد المسكوكات القديمة، وقصاصات من صحف قديمة، تحمل في طياتها عبق التاريخ المصري القديم تحكيها لنا صورة لخان الخليلي عام 1899م، وهو اسم لفندق بناه الحاكم المملوكي، وهناك تتوسط اللوحة قصاصة لصحيفة تحكي بساطة ذلك الزمن الجميل، وهي صورة لشخصين يقضون ساعات من المتعة في لعب الدمينو على أحد المقاهي الشعبية المصرية التي احتضنت داخل زواياها وأزقتها قصص بساطة وشهامة وتلقائية الشعب المصري شكل (3،4)، فيظهر في إبداع أنامله التلاقح بين المعالجات الواقعية والرمزية اللونية واستثارة البصر للإحساس بالملمس من خلال التحزيزات، فيصبح المتلقي أمام هذا الغذاء البصري في حالة من الانتقال اللازمكاني في هذه اللحظة للعودة إلى إحياء مصر القديمة في فترة من فترات مجد ذلك الوطن. فنجد هذا الفنان بدأ بتوزيع عناصره من اليمين إلى اليسار إشارة إلى حنين قوي داخل روحة إلى الماضي إنسحاباً إلى جهة اليسار أملاً منه بمستقبل مشرق لوطنه ممزوج بألوان البرتقالي وهو لون الشعور بالبدء بفقدان الأمل والاستسلام لهذه المشاعر المؤرقة لوجدانه. فنجد هذا الفنان الحساس العاشق لوطنه المحمل بأشواق العودة إلى أرض الوطن يغمر هذه التفاصيل بلون التراب لون الانتماء والتجذر لون الولاء لأرض الوطن، ليصب كل هذا في قالب الإبداع ممزوج بجذور الفنان وسيكولوجيته الخاصة مشبعة بروح القدم عبر صلتها بماض مجد وطن، أظهر لنا عنصر ألوان خوفه من أن لا يعود؛ وذلك بالمعالجة اللونية لقصاصات الصحف القديمة ببقع السواد والرمادي كناية عن التاريخ في فضاء العمل، معبراً بعامل الشفافية الجزئية لرموز التاريخ، ونثر روح الضوء الأصفر، وهو لون التعب والإرهاق والوهن واللون الترابي، وهو لون الانتماء واللون البني، وهو لون الارتباط بالجذور والحنين إلى الماضي كل هذا كان تعبيرًا قصدياً منه ليلقي في نفس المتلقي إحساساً أن مجد وطنه عالق بين مرحلتين مرحلة المجد والعزة، ومرحلة تزعزع الأمن الداخلي لاستقرار هذا الوطن في وقته الآني (فترة عدم الاستقرار السياسي). فكان لمنظومة القيم اللونية بانسياب اللون البرتقالي والترابي والبني وبقع السواد والرمادي دور يخلق شعوراً في روح المتلقي بالإشباع بروح القدم عبر وصلها بماضٍ بعيد، ومجد عريق في فترة تاريخية مضت، وهنا نستطيع أن نؤكد أن تلك الروح هي الإنجاز الإبداعي الحقيقي في اللوحة بربطنا من خلال هذه المنظومة اللونية المتناغمة بإيقاع هادئ ونحن نتأمل هذه اللوحة لنسبح في نفس اللحظة في زمانين ومكانين مختلفين، فجمع في فضاء واحد بين الزمان والمكان في عمل إبداعي يفوح منه شوقه وحنينه إلى الماضي وبساطة العيش والتعاملات والتي تم استجلاؤه من وراء ما احتواه هذا العمل من مكنونات باحت بها السياقات العلائقية بين عناصر العمل، وتقنية التنفيذ وألوان الانتماء والحنين للأرض في إطار احتضن التاريخ، والفن وصهرهما معاً في بوتقة الفن التشكيلي. أحد المقاهي الشعبية إحدى النساء المصريات بزي تلك الحقبة