نهاية الأسبوع الأول من الشهر المنصرم ردت السعودية على تقارير نشرتها وكالات أميركية حول لجوئها -أي المملكة- للنفط كسلاح في وجه أميركا حيث نفى المتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن استخدام المملكة للنفط كسلاح في محاولة للضغط على أميركا، مؤكدًا أن هذه ليست طريقة المملكة في إدارتها للسياسات النفطية. وقال في حديث إذاعي، إن الادعاءات -التي لا أساس لها من الصحة- والتي تشير إلى التلاعب بالأسعار للإضرار بالولاياتالمتحدة، غير مقبولة. بل وأكد أن عائدات النفط مهمة للغاية بالنسبة للسعودية، وتشكل جزءًا من اقتصاد البلاد أكبر مما هي عليه في اقتصاد الولاياتالمتحدة، وبالتالي فإن الأسعار المنخفضة للغاية تؤذي المملكة ولا تفيدها. وتابع: «الرياض على اتصال بالبيت الأبيض حول قضية انخفاض أسعار النفط، وأجرت سفيرتنا، الأميرة ريما بنت بندر، مناقشات بناءة مع الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي مؤخرًا».. لذلك فإن عمق ورسوخ العلاقات السعودية الأميركية الاستراتيجية الممتدة منذ 75 عامًا وعدم تأثرها بأي أطروحات إعلامية مجانبة للصواب.. ولنعد إلى أول القصة ففي شهر أبريل الماضي كان هناك ترقب واسع في أسواق النفط الخليجية لما يجري من هبوط في أسعار الخام الأميركي.. حيث وقع انهيار تاريخي لسعر برميل النفط الأميركي في سياق دولي يشهد تراجعاً واضحاً لأسعار البترول عبر العالم بسبب جائحة كورونا.. فتراجعت قيمة العقود الآجلة للنفط الخام الأميركي بشكل غير مسبوق، ليهبط سعر البرميل إلى سالب 37 دولاراً، وهو أدنى مستوى منذ بدء بيع العقود الآجلة ( وهي عقود تلزم ببيع منتج معين في تاريخ معين بأسعار محددة) في العام 1983 ما زاد من المتاعب الاقتصادية التي تعانيها الولاياتالمتحدة في عصر كورونا. ويعود السبب المباشر لهذا الانهيار إلى وجود فائض هائل في النفط المعروض مقارنة بالطلب، ما جعل منتجي النفط يرغبون في التخلّص من إنتاجهم الحالي وإيجاد مشترين بأسرع وقت خاصة مع المخاوف من الوصول إلى حد الطاقة الاستيعابية في منشآت تخزين النفط. لكن تداعيات هبوط العقود الأميركية لم يكن لها أثر مباشر قوي على العالم، بل التداعيات المباشرة على دول العالم تعود إلى ما يجري منذ أسابيع بسبب انخفاض صناعة النفط عبر العالم نتيجة توقف الحركة الاقتصادية بشكل شبه كامل. حيث إن الطلب المنخفض على النفط عبر العالم يبين أنه حتى اقتصاد الدول المستوردة يعاني من انكماش كما يحدث في الصين ودول أوروبية متعددة، بسبب تراجع الصناعة وتوقف حركة الطيران والنقل. غير أن هناك ثلاثة عوامل قد تلعب لصالح السعودية في الفترة المقبلة، حسب شتيفان رول، الباحث في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن (SWP)، الأول توسيع حصتها في سوق النفط، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى دخل إضافي على المدى المتوسط والطويل، ثانياً أن حصتها من الدين الخارجي لا تزال منخفضة مقارنة مع دول أخرى، ثالثها أن صندوق الثروة السيادية يمكن أن يحقق أرباحاً عبر استثمارات ذكية في سوق الرأسمال الدولي. هذا بوضوح ما حدث في الأزمة الاقتصادية النفطية والتي حاولت بعض الأقلام المغرضة تحميلها للمملكة بالرغم من أن وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان طلب وبإلحاح في العاشر من الشهر الماضي من جميع منتجي النفط بذل كل جهد ممكن لإعادة الاستقرار للسوق النفطية، محذراً من أنه بدون استثمارات كافية ومستقرة لتطوير البنية التحتية للطاقة، فإن أمن الطاقة الجماعي قد يواجه الخطر والارتباك وأكد أن إعادة الاستقرار للأسواق النفطية «يعتبر أمراً ضرورياً لتحقيق تعافٍ اقتصادي سريع»، في وقت تسجل فيه الأسواق تخمة في المعروض. وقبل أيام قليلة خفضت بعض الدول ومنها المملكة إنتاجها من النفط رغبة في استقرار الأسعار في ارتفاع مناسب.. وأجرى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود اتصالًا هاتفيًا بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، جرى خلاله التأكيد على العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين وما حققته هذه العلاقة المميزة من إنجازات في جميع المستويات.. مما كان رداً بليغاً على الذين شككوا قبلها بأيام في استمرار تلك العلاقة حيث أكد الجانبان حرصهما على استمرار جهودهما المشتركة لتعزيز أمن المنطقة واستقرارها. وإلى بذل الجهود الرامية للوصول إلى حل سياسي شامل في اليمن وإلى دعم مبادرة التحالف في وقف إطلاق النار دعماً لجهود المبعوث الأممي في هذا الصدد. ومن جهته أكد الرئيس الأميركي أن الولاياتالمتحدة ملتزمة بحماية مصالحها وأمن حلفائها في المنطقة وتصميمها على مواجهة كل ما يزعزع الأمن والاستقرار فيها. العلاقة السعودية - الأميركية، ليست حديثة عهد بين الدولتين العضوين في الاممالمتحدة منذ تأسيسها، فمنذ لقاء الملك المؤسس عبدالعزيز والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على البارجة كوينسي في 14 فبراير 1945 تأسست قواعد متينة لعلاقة أضحت عصية على الاختراق، ففي ذلك اللقاء التاريخي وضعت أسس العلاقات بين البلدين حتى قمم «العزم يجمعنا» التاريخية في الرياض والتي جمعت الملك سلمان والرئيس ترمب، والتي عكست ما وصلت إليه العلاقات من متانة واحترام متبادل. وكان هذا اللقاء التاريخي في قمة العزم بين قائدين كبيرين للتأكيد على شراكة راسخة بين البلدين لها تأثير كبير على المنطقة والعالم أجمع. لقد أجريت حواراً خاصاً ضمن برنامج رؤيتي على قناة سعودي 24 في واشنطن وذلك قبل أسبوع مع السياسي المخضرم براين هوك المبعوث الأميركي المكلف عن ملف إيران والمستشار الخاص لوزير الخارجية مايكل بومبيو حيث أكد على الموقف الدفاعي الداعم للتواجد العسكري الأميركي في المملكة الذي يتطابق مع احتياجات السعودية الأمنية وقال هوك في هذا اللقاء الخاص «في شهر مايو عام 2019 أرسلنا 14000 ألف جندي إلى المملكة وأعدنا افتتاح قاعدة الأمير سلطان الجوية العسكرية. ونساعد السعودية في منظومتها للدفاع الجوي. لكن عرض القوة طبقاً لاستراتيجيات أميركا يأخذ أشكال مختلفة من التخفيض أو الزيادة». مضيفاً «أن المهام الرئيسيّة لم تتغير على الإطلاق. هناك من ينتقد سياساتنا لكن استنتاجاتهم مغلوطة. نحن مصممون على الدفاع عن السعودية وحماية أمن المنطقة والمحافظة على سلامة قواتنا في المنطقة. نحن مستمرون أيضاً في مواصلة الشركات الأميركية العمل للإسهام في نجاح رؤية 2030 وهي رؤية الأمير محمد بن سلمان لأنها تسعى إلى التعددية الاقتصادية وليس فقط الاعتماد على مصدر الطاقة بصفة خاصة». لذلك وفي الخلاصة أصبحت العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة اليوم من الناحية الاقتصادية أقوى من أي وقت مضى. والسبب بكل بساطة هو فرصة الربح. هناك شركات أميركية كبيرة، مثل غولدمان ساكس وبلاكروك، تراهن بوضوح على التحول الاقتصادي السعودي، وتتأهب المؤسسات المالية والاستشارية والمستثمرون في القطاع الخاص في الولاياتالمتحدة لتقديم استثمارات كبيرة في السعودية متوقعة الأرباح. العلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية بين البلدين ستبقى قوية ومتنامية في تبادل النفط والعقود الدفاعية، والتعاون الأمني وستعمل الحكومتان دون شك على أكمل وجه للأخذ بعين الاعتبار مدى تلبية النمو المستقر للاحتياجات الاقتصادية للبلدين. وعلى طبيعة الاستثمارات المشتركة وكيفية تأثير وقوة الاقتصاد السعودي على طبيعة الابتكار والتميز الاقتصادي الأميركي سواء في الجانب النفطي منه أو في جميع الجوانب وأما الجانب العسكري والأمني فهو مترسخ في العلاقة بين البلدين خاصة في ملف مكافحة الإرهاب الذي يعود الفضل للسعودية بشكل كبير في كشف خيوطه.