مكلفة هي نزوات الإنسان، مثلاً فداحة عواقب نزوة شريحة همبورغر، مهلاً فهذا جنون، ربما هو هذا الحجر الصحي يجعلنا نراجع حتى شريحة البرغر ونرى فيها غزواً من كائنات فضائية غرضها تدمير كوكب الأرض. لكنها حقيقة يؤكدها علماء البيئة، ومع ذلك يصعب تصديق المفعول المدمر لقطعة مسكينة من اللحم، لكن تذهب الدراسات البيئية للتأكيد بأن 1 كغم من الهمبرغر يعني دمار 1 هكتار من الأراضي المأخوذة من غابة الأمازون مما سيجعلها عقيمة خلال عامين من الآن، وفي نفس الوقت فإن هذا الكيلوغرام من اللحم سيمنح عشرة مراهقين بدانة مفرطة, ويرقط وجوههم بالبثور، بينما ومن خلال تقليل استهلاك اللحوم بنسبة 50 % نتوقف عن تجويع نصف سكان الأرض. كيف نتعامل مع هذه المعادلة؟ تتخيل بشراً محصورين في مساحات ضيقة يلتهمون اللحوم وتتفجر طاقاتهم الحيوانية، من هنا يتضاعف العنف بين الأزواج في مختلف الدول مثل روسيا أو فرنسا التي ارتفع فيها العنف لخمسة أضعاف ما كان عليه قبل الحجر، مما ألهم وزيرة المساواة بين الجنسين الفرنسية "مارلين شيابا" للظهور في الحفل الواقع الافتراضي "virtual concert" الذي نظمته المغنية الأميركية الشهيرة "ليدي قاقا Lady Gaga" للترفيه عن الجماهير العالمية المحجور عليها، استغلت الوزيرة الخمس دقائق الممنوحة لها للفت النظر للعنف الأسري، والعنف بين الزوجين خصوصاً الذي غالباً ما يذهب ضحيته الطرف الأضعف، المرأة. ليدي قاقا المعروفة بمواقفها الإنسانية أيضاً منحت ضمن حفلها ذاك فرصة لتوجيه الأضواء لزوج من الفرنسيين تطوعاً منذ بداية الحجر الصحي بزيارة بيوت كبار السن للعزف وللغناء والترفيه عن هؤلاء المسنين، مما غير حياة الكثيرين ومنحهم دافعاً للصمود في غياب أحبتهم ورعب الكورونا. لا نعود نعرف أهو الأسبوع الثامن للحجر أم المئة؟ تتشابه الأيام. أشتاق التجوال في غابة فينسانت.. تسعة أسابيع من الحجر الصحي، تتساقط خلالها الأقنعة، تتساقط الأهداب الصناعية عن جفون الفتيات، تتساقط توصيلات الشعر، تبهت وشوم الحواجب والشفاه، تختفي قصات الشعر الفنية، وطلاء ترجع الأظافر بيضاء أو بطلاء يتآكل في ليلة حيث تختفي تلميعات الريزين، كل ذلك في غياب صالونات التجميل والحلاقة، ترجع الشفاه والوجنات لحجمها الطبيعي، وتختفي تورمات حقن أطباء التجميل، ترجع وجوه الفتيات بسيطة بملامح إنسانية بغياب عيادات التحوير والتناسخ بمعنى تفريخ وتصدير النسخ الجمالية المتطابقة. لكم تعلمنا الكورونا دروساً لا حصر لها، وأهمها درس الاكتفاء الذاتي وعدم الاعتماد الكلي على الخارج، هو درس تعلمته الدول باختلاف مراتب قواها وثرائها، حيث يعلن الرئيس الهندي قائلاً "علمتنا الكورونا أهمية المحلية، والاعتماد على النتاجات المحلية".. نفس التصريح يعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. فهل يعني ذلك أن الكورونا قد نجحت في تقويض مبدأ العولمة وكشفت عواهنه؟ هل يعني هذا أن الدول ستنغلق على منتجاتها في كل المجالات وأهمها الغذائية؟ لكن نادراً ما يستمر مفعول العبر والدروس، إذ الكل بانتظار أن ينتهي الحجر، وعلى قول جدتي "يرجع الكتان كما كان"، نعم كلنا بانتظار أو تذكرة طائرة نصدرها ونبدأ مخر البحار واليابسة، بل وترجع بعض الدول لحرق الفحم الحجري لتعويض تراجعات وقف الإنتاج في زمن الكورونا. هل جاءت الكورونا بكل هذه الدفوف المنذرة لتعجل بالكوارث البيئية وانقراض البشر المتوقع؟ سؤال يستحق التوقف والتملي، لكيلا نفاجأ بالآتي الذي بلون الحرائق والأعاصبر والفيضانات والجفاف.