شهر كامل مر على بدء العمل باتفاقية خفض الإنتاج من أوبك والدول المنضمة من خارج أوبك. كان هذا الشهر بمثابة الاختبار الأكبر لأسواق النفط والتحركات السعرية. نجح في هذا الاختبار أساسيات السوق وهيكلية الأسعار تماما كما نجحت فيه جهود المتعاونين لضبط إيقاع الإنتاج بما يواكب تغيرات الطلب. الطرح الحالي في الأوساط الإعلامية يدور حول الاستمرار في الخفض الحالي ومدة الاستمرار فيه حتى تجد الأسواق التوازن المطلوب. لربما تغيرت الظروف عن ما كانت عليه وقت إبرام الاتفاق ولكن هناك أساسات قوية للاتفاق هي ما صنعت المشهد النفطي الحالي والتعافي الواضح في أساسيات السوق النفطية. أربع ركائز أساسية هي ما أسس للمشهد الحالي. رابع هذه الركائز هو مقدار الخفض الذي يشكل تقريبا 10% من الإنتاج العالمي اليومي للنفط وهو أعلى نسبة خفض تاريخيا في أسواق النفط. الركيزة الثالثة هي العمل على ضبط مشهد العرض بديناميكية واقعية تتفاعل مع السوق سريعا وبعيدا عن المكاسب المالية السريعة ولعل أوضح مثال على ذلك هو الموقف الروسي الذي تفاعل بسرعة مع الخفض منذ مطلع شهر مايو ولم يجازف بالتردد المعهود في المواقف الروسية النفطية. الركيزة الثانية هي التفاعل العالمي من خلال منظومة الدول العشرين والمنتجين الكبار خارج منظومة أوبك وحلفائها كما فعلت الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي خفضت إنتاجها بمقدار 10% تقريبا وهو ما جعل الجميع متفاعلا من أجل إنجاح الاتفاق. أما الركيزة الأولى في هذا النجاح فهو القيادة الاستثنائية والاستشرافية للمملكة العربية السعودية للمشهد النفطي العالمي والثقة الدولية المطلقة في هذه القيادة التي التف المنتجون والمستهلكون حول نظرتها العملية والاقتصادية. لم تكتف القيادة السعودية للمشهد النفطي بتفعيل الاتفاق بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك إلى المبادرة بخفض طوعي خارج مضامين الاتفاق من أجل بنيوية سوقية أكثر تماسكا. لا يخلو الاتفاق من المصاعب الكبيرة لعل أوضحها هو الصراع الروسي الداخلي ما بين المنتجين ووزارة الطاقة الروسية والتي تصدرت عناوين الأخبار بعد أسبوعين من البدء بتفعيل الاتفاق. سوق المشتقات النفطية ولم يتعاف بشكل متناسق في أسواق المشتقات حيث لاتزال أسواق الوقود المتوسط (الديزل ووقود الطائرات) متعثرة قياسيا بعودة الطلب على منتجات المصافي الأخرى. التدفقات الاستثمارية إلى الصناعة النفطية أخذت منحنى أكثر تحفظا وتخوفا من قبل الصناديق الاستثمارية في أسواق المال. أحد أكبر التحديات الحالية هي عدم التزام بعض الأطراف بخفض الإنتاج كما وعدو عند إبرام الاتفاق تحت الظروف الصعبة في شهر أبريل. العالم الاقتصادي ككل يتطلع لمشاهدة طريقة التعامل الدولي من داخل مجموعة العشرين للدول التي لم تلتزم. الكثير من الأحاديث الإعلامية تركز على تقديم موعد الاجتماع القادم إلا أن القليل منها يطرح أجندة الاجتماع والذي لن يخلو من الملفات الثقيلة والتي لا تزال عالقة وقد تشكل عثرة في تقادم العمل ببنود الاتفاق المبرم والذي يمتد إلى صيف عام 2022. التعاون لم يعد خيارا بل أصبح ضرورة ملحة يتطلبها سوق النفط واستقرار المعايير الاقتصادية المرتبطة بعودة التجارة العالمية إلى وتيرة نشطة بعد تأثيرات فيروس كورونا المستجد.