في موسم 2008 م حضرت إحدى مباريات الفئات السنية للاتحاد في ملعب ناديهم المهيب حينها سمعت أحدهم يصرخ باللهجة الجداوية الحبيبة "لعيب يا كيتا" فسألت أحد الاتحاديين بجواري ما علاقة نجم الفريق الأول الغيني الحسن كيتا" بمباراة فئات سنية! فأشار إلى أحد الشبان في مقدمة الهجوم الاتحادي يُدعى فهد المولد وحكى لي قصة تشبيه الجمهور له بطريقة أسلوب كيتا وسرعته ومدى تعلق الجماهير به رغم أن لا يزال بالدرجات السنية وكيف بنى لنفسه شعبية في المدرج الاتحادي قبل أن يلعب ربع مباراة مع الفريق الأول. قدم يومها المولد بعض اللمحات التي جعلتني أصفق تارة وأضحك على خصمه تارة أخرى.. منذ ذلك الحين وأنا أتتبع خطوات هذا اللاعب وأنتظر حضوره للفريق الأول فاللعب تحت الضغوطات هي الفيصل والحُكم القطعي. صعد المولد وأثبت أن المواهب الجداوية باقية وبحرفنه وأثبت نفسه منذ أول موسم فعلي له وبدأ كبيراً حيث كانت أول أهدافه في شباك جوانزو الصيني! نعم الموهبة لها أولوية كُبرى لكنها الموهبة ليست كل شيء. فالحواري والمدارس والفئات السنية مليئة بالموهوبين ولكنهم حين يصعدون للفريق الأول لا يستطيعون حتى عمل "كنترول" صحيح على الكرة.. فما بالك بالتسجيل في اكبر البطولات. إذناً ما الفارق بينهم وبين هذا الفهد: الفارق في الشخصية.. في "الرجولة في كرة القدم" فمحدثكم ممن يؤمن بهذا المصطلح العظيم.. الرجولة في كرة القدم صدقوني أي لاعب كرة قدم قد يستطيع الوصول لمستوى مميز مع التدريبات والانضباط. ولكن الرجولة والاعتداد بالنفس وتقدير الذات لا يمكن أن تأتي من خلال التمارين اليومية والجري حول المضمار.. بل هي هبة ربانية يهديها الله لمن يشاء. لذلك أحترم في "أبو مساعد" كما يُحب أن يطلق عليه رجولته داخل المعشب الأخضر. وأكاد أجزم لو سألت أي لاعب من الجيل الذهبي للاتحاد من تختار من الجيل الحالي ليكون ضمن التشكيلة التاريخية للنادي لن يتردد في اختيار هذا الفهد. لا شعورياً وأنا أشاهد المباراة الخرافية التي جمعت الاتحاد بالنصر والمستوى المُبهر من الفريقين في نصف نهائي كأس الملك العام الماضي شاهدت لقطة فهد المولد أمام نور الدين مرابط وتلاعبه به في مربع صغير قد لا يتجاوز مربع "كيرم" لأستذكر مقولة الأديب جورج هاربرت. "الثقة بالنفس والمهارة .. جيشٌ لا يُقهر" ليبهرني وهو يتجول ما بين الدفاعات النصراوية بكل أناقة واقتدار ويتسبب بالكروت الصفراء ويرفع الحماسة في مدرجه الذهبي ويخطف الكرة من هوساوي بلمسة ويتجاوز الحارس بلمسة ويسجل بلمسة من يصدق أن كل هذا حدث بثلاث لمسات فقط وبمجهود فردي لا يوجد لأحد فيه لا فضل ولا منة إلا ممن وهبه هذه الموهبة. دعوني أُعرج على ما وجده المولد من تحطيم البعض من الجماهير التي تضعه سبباً لكل إخفاق ومن مشكلات إدارية وتأخرات مالية واختيارات سيئة للمدربين الذين أشرفوا عليه طوال تواجده في فريقه ستبقى عوامل ساهمت في حرماننا من رؤية كل ما في جعبة المولد. تخيلوا معي لو أن من درب المولد في بداياته البلجيكي جيرتس كما حدث مع نواف العابد على سبيل المثال! : قليلاً من الفهد.. حلال العقد -المولد كسر عقدة عدم الانتصار على الأهلي وحقق هدف الانتصار في نصف نهائي كأس ولي العهد 2016 م لينقذ ناديه وحتى مشجعيه من "عيارة" كانت تلاحقهم في "مركازهم" الخاص الذي يجمعهم بأبناء الأهلي.. * هذا الفهد أخرج ناديه من دوامة عدم الانتصار على النصر منذ أكثر من خمسة مواسم في الدوري وحقق لهم انتصاراً تاريخياً عندما سجل الهدف الثالث في شباك براد جونز ليمسح الجراح الاتحادية ويجعلهم يتحدثون كأبطال كما تعودوا دون أي مماسك تاريخية على فريقهم، المفارقة أن كلا الهدفين كانا لفك العقدة في آخر دقائق المباراتين وكذلك كلاهما حملا مسمى الهدف الثالث وانتهت كلتا المباراتين بنفس النتيجة. لذلك الجمهور الاتحادي سيبقى يحتفظ بهذا الجميل للمولد إلى نهاية تاريخه الكروي، أما من يُشكك في قيمة فهد الفنية فليذهب لمشاهدة هدفه المجنون فنياً في شباك الليث الشبابي في إياب دوري أبطال آسيا 2014 م. اليوم الرياضيون فخورون بتواجد المولد بينهم.. وأولهم أبناء حارته "العزيزية" الذين يتذكرون كيتا الصغير.. يشاهدون فهد الكبير وقد يعتذرون لفهد عن هذا التشبيه وإن كان جميلاً في حينها، فالفهد اليوم في أعينهم لا يشابهه أحد. همسة : كيف ما يبرى صويبك يا "فهد". سامي الحريري