تسيطر مشاعر العزلة على فرحة العيد هذا العام في ظل الجائحة التي عصفت بالعالم وفرضت التباعد الاجتماعي، فحولت المنازل إلى محاجر صحية، وأغلقت المساجد والجوامع، وأخفت الطقوس الدينية، ليمر العيد بهدوء وحذر دون مشاهد للزحام أو مظاهر للتجمعات أو ازدحام في المصليات، تجربة هي الأولى من نوعها، والكل يرجو أن تكون الأخيرة، ويظل هاجس عبور الأزمة التي امتدت للشهر الثالث على التوالي مسيطرًا على الجميع، مع مساع لكسر الروتين اليومي في البيوت، وتمضية الوقت بالتسلية من خلال الهواتف الذكية والقراءة ومشاهدة الفضائيات والرياضات الخفيفة والمتابعة الرتيبة لأخبار الفيروس، ومع ذلك فإن العيد يستحق فرحة الصائمين والقائمين، الكبار والصغار، وربما يكون منع التجول على مدار اليوم إنقاذًا من حرج المخالطة مع أشخاص قد يكونون مصابين بالعدوى دون علمهم، ويبقى الأمل بالخروج من هذه المحنة قريبًا بحول الله مع الالتزام بتطبيق الإجراءات والتدابير الوقائية. مصادمة المألوف وقال د.غازي بن غزاي العارضي -أستاذ الدعوة بالجامعة الإسلامية-: إن ما نمر به جميعًا ظرف استثنائي، يستلزم تغيير برامج حياتنا وأنماطها العادية، بما يخفف من مصادمة المألوف والعادة، ولا خلاف على مكانة العيد وأفراحه وزياراته، التي لا يمكن تهميشها بين عشية وضحاها، ولكن المؤمن الواعي والمواطن الصالح يدرك أن للضرورة أحكامًا، والوقائع الطارئة لا بد من احتوائها وتحمل صدماتها وتبعاتها مهما كان الثمن، باعتبارها مؤقتة من وجه، وتخفيف وطأتها وثقلها وأخطارها من وجه آخر، مضيفًا: "تعد كورونا من الجوائح التي عمت بلدان العالم أجمع، ولا مفر من التناغم شرعيًا وأخلاقيًا وواقعيًا مع وطأة تلك الجائحة، ولما كان من الدلائل الواقعة والبراهين الساطعة أن الاختلاط المكثف والتزاحم من المظنات الحقيقية لانتشار العدوى، لزم الجميع الالتزام والاقتناع بالتوجهات الحكومية التي تحرص على تحقيق المصلحة العامة، وإبعاد شبح العدوى عن الجميع"، مُهيبًا بالمواطنين والمقيمين الالتزام بالتوجيهات في هذا الصدد وتطبيقها بحذافيرها، التي أريد منها المصلحة العامة والمحافظة على الأرواح الغالية. السلامة أولًا وأكد د.سليمان الرومي - أستاذ البحوث والدراسات بالجامعة الإسلامية - على أن ما اتخذته الدولة من إجراءات منذ بداية أزمة هذا الوباء والخطة المتكاملة التي رسمتها للتعامل مع متغيراته نجدها راعت سلامة المواطن والمقيم بالدرجة الأولى، وضحت بكثير من الجوانب الأخرى، وهذا ما أشادت به المنظمات الدولية وسبقت به المملكة دولًا متقدمة، لذا يبقى دور المواطن والمقيم التفاعل مع هذه الإجراءات والتعاون في تطبيقها من خلال بقائه في مقر إقامته مع توفير كل المتطلبات اللازمة له من خلال التطبيقات الإلكترونية المختلفة، مضيفًا: "الآن وقد مضى ثلاثة أشهر تقريبًا على هذه الأزمة نرى بحمد الله أن هذه الإجراءات آتت ثمارها في محاصرة هذا الوباء والسيطرة عليه؛ حيث تميزت هذه الإجراءات بالشفافية والوضوح من خلال المؤتمر الصحفي اليومي للصحة والقطاعات العاملة في المجال الأمني والغذائي، وهذا ما بث الطمأنينة في نفوس الجميع، وظهر جليًا في تعاون الغالبية العظمى مع التوجيهات سواء في طريقة التسوق أو الالتزام بأوقات الحظر أو التعامل مع التطبيقات الإلكترونية للخدمات المختلفة". تزاور تقني وذكر د.الرومي أن رمضان وما اعتاد عليه الناس في الجانب الاجتماعي من زيارات واجتماعات اختلف كثيرًا هذا العام، ونرى التزامًا بشكل واسع في الحظر والاستعاضة عن التزاور بالتواصل عن طريق وسائل التواصل الحديثة، واعتاد الناس على ذلك وقدروا ظروف المرحلة الاستثنائية، وعذر بعضهم بعضًا، وفي موسم العيد بعد أيام -إن شاء الله- لن يكون الأمر مختلفًا عن ذلك، وقد عرف الناس خطورة الوباء وسرعة انتشاره، وشاهدوا وعايشوا الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة لمكافحة هذا الوباء في القطاع الصحي والأمني والاقتصادي، لذلك سيتعايشون مع أجواء العيد بما يناسب هذه الظروف الطارئة، وسيلتزمون بالحظر ثقة بإجراءات الدولة التي جعلت سلامة المواطن فوق أي اعتبار فيما اتخذته من إجراءات، مُنبهًا إلى ضرورة إظهار الناس في بيوتهم فرحة العيد في محيط البيت فقط، وذلك بإقامة صلاة العيد بدون خطبة كما أفتى سماحة المفتي بذلك، وإظهار الفرحة بالاهتمام بالأطفال من خلال الهدايا والملابس المعتادة في مثل هذه المناسبة، كذلك ناحية مهمة الاهتمام بكبار السن في الأسرة وإشراكهم في جو البهجة في هذا العيد، أما الأقارب والأصدقاء والجيران فالتهنئة والتواصل من خلال وسائل التواصل المتاحة. الجميع متفهم وأشار د.الرومي إلى أنه تطورت التطبيقات التي تخدم هذا الجانب وتنوعت، حتى إن الاجتماعات الرسمية وكثيرًا من الأعمال التي تتطلب الاجتماع تتم عن طريقها وتؤدي الغرض، خصوصًا أن غالبية المجتمع يستطيعون التعامل معها بسهولة، لذا على الجميع الاستعاضة عن الزيارات والاجتماعات بمثل هذه التطبيقات، مبينًا أنه أدرك الجميع خطورة الاجتماعات المباشرة، وأنها الناقل الأول لهذا الفيروس، لذلك فالجميع متفهم لهذا الوضع حتى كبار السن، وسيُعذر من تعود أحد زيارته في مثل هذه المناسبات، مُحذرًا الجميع من أن تغلبه العاطفة فيخل بالتدابير التي وضعتها الدولة لمواجهة هذا الوباء، خاصةً ما يتعلق بمنع التجول؛ لأن عدم الالتزام وتغليب العاطفة بزيارة قريب أو اجتماع مع أصدقاء خلال هذه الأيام سيتسبب -لا قدر الله- في انتقال الفيروس إلى أقرب الناس لنا من أبناء ووالدين، وربما نفقدهم لهذا السبب، ولنتذكر الإصابة رقم 14 في المملكة، وكيف نقل الابن الفيروس إلى والده فكان سببًا في وفاته. الجائحة فرضت التباعد وعدم إقامة صلاة العيد