الشهر الكريم بدأ في عده التنازلي، وأيام تفصلنا عن حلول عيد الفطر، فرحة الصائمين الأولى، والتي إن تأتي هذا العام في خضم ظروف استثنائية بقدر ما تحرمنا من العيد بتفاصيله المعتادة والمشاعر والعادات المُرتبطة وفي مقدمتها بالتأكيد زيارات صلات الأرحام وتزاور الأصدقاء والأحباب بالتزامن مع حتمية التباعُد الجسدي والاجتماعي، فإنما تذكرنا بنعمة العيد، والذي إن يأتي هذا العام على نحو مُغاير ويتطلب منا أن نكسر روتينه المعتاد بلزوم منازلنا كبحًا للعدوى، يمكننا أيضًا أن نفتش عما في الظرف القاسي من منحة، ففرحة العيد العام المُقبل بالتأكيد ستكون مضاعفة بعودة الأحوال إلى سابق عهدها، كما أن إدراك المحن له دور مُهم في الشعور بالمنح والنعم والاعتراف بها وحتى اللهاج بالشكر والحمد عليها مهما كانت تبدو في أنظارنا بسيطة سابقًا وقد لا يجول بالخاطر أبدًا أننا قد نحرم منها، وربما يكون أفقدها التكرار لذة الشعور بها. على صعيد آخر، تأتي خطوات المملكة للحد من انتشار العدوى خلال عيد الفطر، استباقية وحازمة، ما يضمن فعاليتها في تحقيق الأهداف المنشودة من جهة ويعزز مدى إدراك المواطن لأهميتها وأهمية الامتثال لها خلال الفترة المقبلة من جهة أخرى، وهو الأمر الذي تؤكده مرارًا منافذ التوعية الرسمية، ويعتبر كذلك الإغلاق الكلي خلال فترة الاحتفال بالعيد، درباً ماتزال بعض الدول في المنطقة تدرس إمكانية خوضه، بينما عزمت المملكة الأمر على التضحية بعدد من المظاهر الاحتفالية وغلبت المصلحة العامة في تطبيق أقصى قدر من التباعد الاجتماعي الممكن، حيث إن تخطي الأزمة وتقليل عدد الإصابات بشكل قاطع ربما يتطلبان التجاوز عن بعض الاحتياجات المعنوية قصيرة الأجل حتى ما إذا تمثلت في موسم احتفالي ينتظره الكبار والصغار سنويًا. أما عن النتائج الفعلية التي قد يجنيها النظام الصحي السعودي من الحظر الكلي في بداية شهر شوال، فهو مرهون بمدى تطبيق المواطنين التعليمات الرسمية وفي مقدمتها الالتزام بالحظر الكلي، والاستعانة الدائمة بسبل الوقاية المعروفة وتطبيق التباعد الاجتماعي بغير استثناءات، فالصحة نعمة لا تقدر بثمن، ولا تُقايض بلحظات عابرة من التفاعل غير محسوب العواقب، يكبد أصحابه وأسرهم وربما دوائر أوسع من الأسرة والمعارف آلاماً فادحة.