بالأمس القريب كنا قد استقبلناه بفرح وسرور، وها نحن اليوم نودعه، حزناً على فراقه، وفرحاً على إتمام العبادة فيه، إنه شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، والذي بفضل الله وعونه صمنا نهاره وقمنا ليله، وهاهي شمس يوم العيد تشرق من جديد، آذنة ببدء يوم جديد، يوم ينبغي لنا أن نحمد الله تعالى فيه على نعمة إتمام الصيام والقيام، ومذكرة لنا بأن نسأله سبحانه القبول والغفران والعتق من النيران، فيوم العيد يوم تكبير وشكر وحمد لله على ذلك كله، قال تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)، وهو كذلك يوم فرح وسرور وبهجة للمسلمين، وترويح لأبدانهم من كلف العبادات والصبر على أداء الطاعات، لذلك جعل الله سبحانه وتعالى الأعياد تأتي بعد الانتهاء من أداء ركنين من أركان الإسلام، فعيد الفطر يأتي بعد الانتهاء من صيام شهر رمضان، وعيد الأضحى يأتي بعد الانتهاء من أداء أركان الحج، وهذا من فضل الله على عباده، ليكافئهم على اداء تلك العبادات، ويدخل البهجة والفرح على قلوبهم، فالعيد عبارة عن عبادة وفي نفس الوقت تعبير عن السعادة بتمام الطاعة وسؤال المولى القدير القبول والإجابة، نعم إنه يوم يبدأ فيه المسلمون بالذكر والشكر والصلاة، ثم بعد ذلك يتبادلون التهاني والتبريكات بالعيد السعيد، ويصافح بعضهم بعضا، ويتزاورون ويصلون أقاربهم وأرحامهم الذين أبعدتهم عنهم مشاغل الدنيا وهمومها، فالعيد نقطة تواصل وتحول، فمن الهجر والقطيعة إلى التزاور والوصال، ومن الضغينة والكراهية إلى الألفة والمحبة، ومن الهموم والغموم إلى الأفراح والبهجة والسرور، فهذا هو العيد الذي يستبشر المسلمون بقدومه، وهذه هي مظاهره وصوره، ولكن ما نراه هذه الأيام من جعل ليلة العيد ويوم العيد تواصل فقط عبر إرسال رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، والبعض لا يكلف نفسه كتابة الرسالة بنفسه، بل يقوم بنسخها ومن ثم لصقها وإعادة إرسالها، حتى أن البعض ينسى تغيير اسمه ويقوم بإرسالها باسم الشخص الذي قام بإرسالها إليه، فلماذا وصل بنا الحال إلى هذا المآل، نكتفي بالسلام وبتبادل التهاني فقط بمجرد رسالة عبر وسائل التواصل الحديثة أو برسالة نصية عبر الهاتف المحمول، بل وصل الحال ببعض الأبناء أن يقوم بتهنئة والديه وأعمامه وأقاربه من الدرجة الأولى عبر تلك الرسائل النصية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، هل هذا ما أمرنا الله به من طاعة الوالدين وصلة الأرحام، أم أنها مجرد وسيلة من وسائل التنصل من الحقوق والواجبات التي أمرنا الله بها وفرضها علينا، ما المانع لو جعلنا وسائل التواصل الحديثة تلك وسائل مساعدة على القيام بطاعة الوالدين وصلة الأرحام بحيث نسخرها في عملية التأكد فقط من تواجد من نرغب في زيارته والسلام عليه ووسيلة لإبلاغه بقدومنا لزيارته في الوقت المناسب له، ففي هذه الحالة نكون قد وظفنا تلك الوسائل المتاحة في المكان المناسب ونكون قد أدينا ما أمرنا الله به من طاعته وطاعة الوالدين والأقربين منهما وصلة أرحامهما، والبعد عن ما نهانا ربنا عنه من العقوق والقطيعة. في الختام أقول: إن أيام العيد التي نعيشها الآن هي أيام فرح وسرور وبهجة وتواصل وتزاور بين الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء، وينبغي علينا فهم ما تعنيه كلمة "تواصل" وينبغي علينا تطبيقها تطبيقاً فعلياً وواقعياً على من نرغب في التواصل معه، لا مجرد تواصل عبر الرسائل النصية ورسائل عبر وسائل التواصل الإجتماعي الحديثة فقط، وخصوصاً على القريب الكبير، وذي الرحم القريب من والدينا من الأعمام والعمات ومن في حكمهما، والأقربون أولى بتكرمنا عليهم بالوصال والزيارة وبالمعروف. تقبل الله منا ومنكم الطاعات، وغفر لنا ولكم الزلات، وكل عام وأنتم بخير.