تقرأ الآن نصاً أسود على خلفية بيضاء. لن تفكر في الألوان إلا لو مر عليك لون جديد بارز، ولو سألتك أن تذكر لي كل الألوان التي تعرفها فكم لوناً ستعد؟ ألوان قليلة، لذلك ستتفاجأ لو عرفت أن هناك الكثير، والعين تميز بين 10 ملايين لون! الفضل يعود لأجزاء مخروطية تميز أدق تغيير بين الألوان، وهذه المخاريط إذا تعطل بعضها أتى عمى الألوان، ولكن إذا زاد عددها استطاعت تمييز 100 مليون لون. لكن كون العين تميز كل هذه الألوان لا يعني أنك ستميزها لغوياً، فبرنامج بانتون الشهير المتخصص في الألوان لا يعد إلا 2600 لون أو أكثر قليلاً، ويصعب علينا تسمية الألوان، والأسهل وضع أرقام لها. إنك تلاحظ هذه المشقة من الأسماء نفسها والتي تستوحي أسماء الألوان من أشياء واقعية، مثل: سكر بني، أخضر برونزويك (على اسم مدينة ألمانية)، بيزنطي (بنفسجي غامق، على أباطرة الدولة البيزنطية الذين استخدموه)، وعدة ألوان على سمك السالمون مثل: سالمون، سالمون زهري، سالمون وردي، سالمون غامق. الفاكهة أفادتنا، فهناك البرتقالي، برتقالي متوسط وعالي ومعدني وصودا وقشري (على قشر البرتقالة) وأصفر وأحمر، بل حتى البرتقالي له طبقات حسب المصدر، فشركة بانتون يختلف برتقاليها عن شركة كريولا صاحبة الألوان الزيتية، وحتى الألوان المحددة لها تفصيلات، مثل برتقالي عالمي، فهذا له 3 طبقات حسب مكان استخدامه: الفضاء، الهندسة، جسر غولدن غيت في أميركا. إذا كنت تتساءل أيهما أتى أولاً اللون أم الثمرة فالثمرة أسبق فيما يبدو، وكان الكثيرون حول العالم يسمونه أحمر صفراوي وما شابهه، فقال البعض: هذا أمرٌ يطول، هذه الثمرة ستختصر الأمر! والحضارات تختلف في تلوين الأشياء، فالعرب مثلاً يسمون الشيب أبيضَ، ولكن في الإنجليزية يصفونه بالرصاصي. وفي السبعينات الميلادية صنع العلماء تجربة لقياس مثل هذه الاختلافات بين الشعوب، بل حتى سألوا قبائل بدائية بعيدة، فيُرونهم ورقة عليها لون ويسألونهم عنه، منهم قبيلة ضئيلة تحكي لغة اسمها كاندوشي في أميركا الجنوبية، فلم يكن لديهم الأصفر ووصفوا الورقة بلفظ بتسيارو وهو لون عصفور أصفر، واستخدموا كلمة واحدة لوصف الأخضر والأزرق والبنفسجي. للألوان شأن!