قال علماء نفس وتربويون: ان الأغنية الشعبية تشكل الذوق العام في المجتمع.. ومعنى كلامهم هذا أن الأغنية هي إحدى دعائم التربية في المجتمع.. بل تعد أحد القائمين على التربية والتعليم بين الناس.. لذلك شاعت الفولكلورات الشعبية من أهازيج واستعراضات وألعاب جماعية تصاحبها كلمات منغمة بها من المعاني ما يطرب ويربي.. @ فالأغنية الشعبية تختزن بين كلماتها كثيراً من الأمثال والحكم التربوية، والعادات والتقاليد.. بل تختزن كثيراً من القيم والمثل العليا السامية.. كإكرام الضيف، والبعد عن سفاسف الأمور، والحث على الصلاة وبر الوالدين والتخلق بالأخلاق الكريمة.. تلك كانت الأغاني الشعبية قبل نصف قرن من الزمان. لذلك تجد البناء يغنى.. ولا غضاضة في غنائه، وتسمع الفلاح يترنم بغناء جميل وهو يفلح أرضه.. ولا ملاحظات على ما يترنم به.. وحتى الحداد والنجار وصانع الأواني الفخارية وغيرهم من العمال والصناع يؤنسون أنفسهم بالغناء، فنضحت هذه الأغنيات كثيراً من أخلاقياتها على المجتمع بجميع أفراده تقريباً. @ وجاء بعد ذلك زمن ظهر فيه التليفزيون وظهر على الشاشة ( فتى الشاشة الأول) بوسامته وشياكته وأناقته.. وصار مثلاً يحتذى فأخذ الشباب عنه تسريحة شعره وطريقة لباسه ونوع ساعته، وكذلك حذاءه- أكرمكم الله- وحتى طريقة كلامه ومشيته وجلسته وو... ولم يكن للمطربين والمطربات- في ذلك الزمن- كثير اهتمام خاصة في الاقتداء بهم شكلاً حتى وصلنا إلى هذا العصر الأغبر الذي ضربنا تحت الحزام.. بل ضربنا في مقتل، ضربنا في قيمنا ومثلنا وعاداتنا وتقاليدنا. بل في ثوابتنا التي لا نساوم عليها فدخل علينا من باب الغريزة الشيطانية، ففك عقالها.. وأخذ يجرها بعيداً عن العقل والتعقل.. واستخدم المرأة سلاحاً مسموماً فبدأ بخلع حيائها ثم بخلع ثيابها.. وان أحس أن الضغوط زادت عليه جراء ذلك، أعاد عليها ثيابها ولكن بما يشف أو يصف. وليست هذه بأخف من تلك.. @ بعد هذه المقدمة الطويلة والمملة- ولكن لابد منها- أقول عوداً على بدء: إن الأغنية ( مربية) أكثر من أي مربية من شرق آسيا.. بل أكثر، من الأم اللاهية.. ولا يهم المطرب أو المطربة.. بل الشيطان يكمن في الحواشى والهوامش من مناظر ولقطات تجعل الرائى يسقط في حمأة الرذيلة والإثم بمجرد النظر. ودليلنا على ذلك هذه الثمرة من تلك الفاكهة المفيدة واللذيذة ( البرتقالة) التي استخدمها فن ال( فيدو كليب) لوضع السم فيها. @ لقد مضى زمن كنا نخجل أن نسمع ( الطشت قاللى) وبعض أغنيات ليلى نظمي سماعاً مثل "العتبة جزاز" وهانحن في زمن نرى فيه ( البرتقالة) ولا نسمع كلماتها.. بل تقطع حديث المجالس إذا ظهرت على الشاشة إلى أن صار الناس يبحثون عنها حتى في سوق الملابس وإذا لم تصدق فاقرأ هذا الخبر الذي ورد في هذه الجريدة عدد 11385 يقول: "طغى اللون البرتقالي على ألوان الملابس في أسواق الدمام فاصطبغت باللون الأصفر بعد إذاعة أغنية البرتقالة عبر الفضائيات وقال تجار ل ( اليوم): إن الطلب على اللون الأصفر ازداد بشكل ملحوظ خاصة من المراهقات عقب إذاعة أغنية البرتقالة، بينما أكد آخرون أن اللون الأصفر لم يقتصر على الفتيات وحسب بل امتد ليشمل ملابس الرجال أيضاً" أرأيت كيف صارت الأغنية مربية وكيف سطت على الذوق العام للمجتمع؟!